يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
"في عام 1984 اعترفت اليونسكو بقصر الحمراء كأحد أهم أعمدة التراث الإنساني من النوع الثقافي، وهذا ما جعل إسبانيا تدرك قيمة هذا القصر الذي تحوّل إلى أهم أسباب السياحة فيها، فهو أجمل أثر إسلامي بالغرب بدون منازع" ميسون شقير.
---
قرأت في ويكيبيديا عن النافورة أنَّها دفق من الماء ناتج عن ضغطها، عبر ثقوب ضيقة في حوض، فترتفع إلى مستوى مُعيَّن أولاً ثم تهبط. ويحصل الارتفاع طبيعياً أو اصطناعيًا، تدفع مياه النوافير الحديثة بالكهرباء وقد تُجمَّل بالأنوار فتزيدها بهاءً. أما "النَّافُورَة" كتعريف ومعنى النافورة في قاموس المعجم الوسيط، فهي: صنبور ونحوه يكون في الدُّور أَو في الساحات أو في الحدائق، يندفع منه الماء بالضغط إلى أَعلَى؛ تبريدًا للمكان أَو تجميلاً له. والجمع : نوافير.
ومن أشهر النوافير في العالم نافورة فيرساي، ونافورة نيبتونبرونين، ونافورة مونتوجويك، ونافورة جنيف، ونافورة بانبو، ونافورة قصر بيترهوف، ونافورة تشاتسور هاوس، وكذلك نافورة دبي.
وعندما بحثت في مُحركات البحث عن أكبر نافورة بالعالم وجدتُ أن النافورة الموسيقية في شاطئ دادايبو (بالإنجليزيّة:Dadaepo Beach)، الواقع في كوريا الجنوبية تُعد أكبر نافورة في العالم، وفق آخر إحصائية لموسوعة جينيس للأرقام القياسية؛ إذ يَبلُغ ارتفاعها 2,519م2، ويصل ارتفاع ضخ المياه فيها إلى 55م، وقد تم بناؤها في 30 مايو 2009م من قبل مكتب ساهاغ في بوسان، وتعدّ من النوافير الذكية التي تم دمج ضخها بالتّزامن مع الموسيقى بدقة عالية، باستخدام برامج مُعينة من قِبل مُتخصصين، بحيث تتحكم أغلب النوافير بارتفاع الضخ، عن طريق الصوت أو التردد، وتتطلب هذه العملية وقتاً طويلاً، وتكلفةً عالية.
وعلى ذكر النافورة، تخيل أي شخص ينشئ حديقة منزلية "لن أقول قصرًا أو منزلًا كبيرًا" ستكون أوَّل بنود الخطة هي نافورة تكون بالوسط، تعطي المنظر العام أريحية مُميزة، وأذكر قبل سنوات زرت مدينة سالزبورغ النمساوية المعروفة بمدينة الموسيقي الشهير موتسارت، كان هناك قصر كبير على أطراف المدينة اسمه "قصر هيلبرون" يرجع تاريخه إلى عصور النهضة الأوروبية، واشتُهر القصر بكثرة النوافير الخفية فيه؛ إذ تقف في أحد أماكن أو ردهات القصر الواسع وإذا الماء ينطلق من تحت المكان الذي تكون واقفًا فيه؛ سواء قاعة خارجية أو ممرًا جانبيًا، ويقال إن لهذه النوافير قصة تاريخية ترجع للقرون الوسطى ليس المجال لذكرها الآن.
كعرب ومسلمين لا يُمكن لأي مهتم بتاريخ المسلمين في الأندلس، ألا يعرف قصر الحمراء بغرناطة عروس أندلوسيا، وهي المدينة الإسبانية الجميلة التي يقع فيها قصر الحمراء، أحد أروع المعالم الإسلامية المعروف بتصاميمه الفريدة وحدائقه الشهيرة باسم جنات العريف.
وأحد معالم القصر، نافورة السباع، التي تقع داخل باحة سمّي باسمها وهو بهو السباع. نافورة حيرت الإسبان منذ رحيل المُسلمين وترحيلهم عن البلاد، ويجتهد علماء الآثار حتى الآن محاولين كشف سر انتظام المياه بالشكل الزمني الذي كانت عليه.
النافورة الدائرية الشكل، يحيطها اثنا عشر سبعًا، يعتقد العلماء أنها كانت ساعة مائية، بسبب انتظام خروج المياه من أفواه السباع واحدًا تلو الآخر، إلا أن أعمال الترميم أضرت بها، الأمر الذي أثر على هذه العملية (1).
ولعل إحدى أشهر القصائد في بهو السباع، ما جادت به قريحة الشاعر ابن حمديس الصقلي، الذي ذكر بركة فيه عليها أشجار من ذهب وفضة ترمي فروعها المياه وتفنن، فذكر أسودا على حافاتها قاذفة بالمياه، أيضًا فقال:
وضراغم سكنت عرين رياسة
تركت خرير الماء فيه زئيرًا
فكأنما غشى النضار جسومها
وأذاب في أفواهها البلورا
أسد كأن سكونها متحرك
في النفس لو وجدت هناك مثيرًا
إلى أن يقول:
وتريك في الصهريج موقع قطرها
فوق الزبرجد لؤلؤًا منثورًا
إلى آخر القصيدة.
وعطفًا على منظر النافورة وهي تصب الماء من حولها كقطرات خير تعطي رونقًا وجمالًا للمكان، فقد يذكرني هذا المنظر الخلاب للنافورة بالدول، فهناك الدول التي وكأنها النافورة على شعبها تصب له الخير من كل مكان في الوطن ويتمتع المواطن بخيرات بلده التي تصبها عليه الدولة المديرة للوطن، وفق خطط تستمد من أصول الحكم الرشيد مبدأً وقيمة أخلاقية وطنية عالية، ولا يوجد تفرقة بين أبناء الوطن؛ حيث تصب النافورة فوق الجميع وللجميع، والعكس صحيح للأوطان التالفة نافورتها، ولاعزاء لأهلها!
أحد الأصدقاء غاب وغابت أخباره، وتوقع الجميع أنَّه ربما بإجازة أو في إنشغال مُعين من مشاغل الحياة التي لا تنتهي، والذي لا يَعذِر لا يُعذَر كما قال الحكماء، وذات يوم جاء ذكره بأحد اللقاءات، فقال أحد الجالسين إنَّ صديقنا يبحث في تاريخ الأودية والأمطار والنوافير الطبيعية التي حباها الله للبقاع الماطرة، كما في مناطق الجنوب السعودية: أبها والنماص، وظفار في سلطنة عُمان. وأهل التاريخ والمهتمون لا يغيب عنهم التفكير بالأمطار وأوقات الهطول والتدوين عن الأجواء وملامحها الطبيعية.
النافورة كشكل مادي قد يتم توظيفه بأي مثال اعتباري ويمكن ترميزه لمكان ما، أو لقطة تعبر عن أمر ما، ويمكن يأتي شاعر ببيت من الشعر عن نافورة أعجبته أو يأتي أديب ويكتب رواية رائعة يكون الحدث الرئيسي بها عبارة عن مواقف حدثت بالقرب من نافورة، أو بسبب إشكاليات وخلافات بسبب قيمة النافورة أو أن مكانها غير مناسب، لا تستغرب فكل شيء يحدث في هذا العالم، مثلما نتحدث بفخر عن نافورة بهو السباع الأندلسية قد يأتي يوم ونتحدث عن نافورة تقع في مدخل أحد فنادق منطقة الدقم! لم لا!
_______
- جريدة النهار (لبنان)، مقال: ما هو لغز نافورة السباع في قصر الحمراء؟ الكاتب: محمد شهابي. نشر في 15/ 7/ 2020.