"تيك توك"

ناصر بن سلطان العموري

abusultan73@gmail.com

أثناء عودتي المُعتادة من العمل خلال فترة الظهيرة أتنقل كعادتي بين المحطات الإذاعية لاختيار الأنسب لي من البرامج لا أركز على  محطة واحدة  بعينها بقدر ما أركز على مضمون الموضوع وأهميته لدي، خلاصة القول شدني موضوع في إحدى المحطات الخاصة يتحدث حول التطبيق المُثير للجدل "تيك توك"، وكان أحد ضيفي البرنامج مُعارضاً للتطبيق وما يحتويه بحجة أنَّه هادم للأجيال  ويجب استئصاله، فيما كان الآخر مقدم محتوى في نفس التطبيق مُدافعًا عنه بحجة أنه مصدر دخل للكثيرين ممن يقدمون محتوى مفيدا  ومناسبا وفي الأخير على حسب قوله هو  تطبيق مثله مثل سائر التطبيقات له ما له من إيجابيات وعليه ما عليه من سلبيات.

ولكي أكون حياديًا ومنطقيًا قررتُ الحكم بنفسي على التطبيق، فمن طبعي قبل البدء بكتابة المقال لا أركز على الآراء الأخرى بقدر تجربتي الشخصية، وحقيقية لا أخفي عليكم بعد تحميلي للتطبيق وجدت العجب العجاب، وأقل ما يقال عنه أنه يضيع وقت الكبار فيما لا يُفيد، وبه من المفسدة الشيء الكثير، ويهدم قيم ومبادئ وسلوك الشباب والصغار، ونحن نعلم أن الحصول على الهاتف بات سهلا، والاشتراك في الإنترنت الآن أصبح قريب المنال ومتوافرا في كل مكان، والملاحظ في هذا التطبيق أنه يركز بصفة أساسية على المرحلة العمرية من 12- 14 سنة، وهذا ما أوضحته الإحصائيات العالمية وهي مرحلة تكوين الأفكار والتمسك بها لدى الشباب وكأنه أمر مقصود.

هناك من يقول إنَّ "تيك توك" يعتمد على اختيارات الأعضاء وهم مخيرون بين اختيار الصالح من الطالح، لكن لا نستبعد أن هناك من يدس السم في العسل، هذا إن كان هناك عسلا من الأساس! نحن هنا لا نقول إن المنصات والتطبيقات الأخرى عفيفة طاهرة، ولكن المختلف في تطبيق تيك توك مجاهرته بالمثلية الجنسية أكرمكم الله والأفكار الهدامة المُخلة بالآداب العامة والمنافية للأخلاق وتعاليم ديننا الإسلامي وبث أفكار شيطانية غربية، وآخرها ما جرى في مصر من انتحار الشاب محمد رضا والذي يبلغ من العمر 15 سنة وعُرف عنه تقديم محتوى ظريف يوثق حياته اليومية، وللعلم هي ليست أول حالة انتحار ولن تكون الأخيرة بسبب تطبيق تيك توك.

الخوف كل الخوف من هذا التطبيق حين تتغلغل أفكاره الهدامة في نفوس وعقليات شبابنا وجيلنا المستقبلي وتجعله- دون إحساس- يقتنع بمعتقدات وأفكار تسيئ له ولعائلته ولوطنه، هذا إن لم يدفع حياته ثمنًا لها بشكل أو آخر. وثمَّة جدل كبير شهده هذا التطبيق أكثر مما شهدته التطبيقات الأخرى؛ بل إنَّ دولًا حظرته لأسباب سياسية أو أخلاقية بسبب نشر الرذيلة في المجتمع ووجهت لإدارة التطبيق قبل الحظر إنذارًا شديد اللهجة بشأن التزامها بالمعايير والمحاذير، لكنها لم تستجب، وعندها كان حجب التطبيق هو الحل. وفي محيط دول الخليج أظهر استبيان- نُشر عبر منصة توتير في موقع باسم "استطلاع السعودية" مختص بمعرفة نتائج الاستطلاع لمواضيع مجتمعية حساسة- أن الأكثرية مُؤيدة لحجب تطبيق "تيك توك" في المملكة العربية السعودية.

الغريب في الأمر أنَّ الصين- بلد منشأ تطبيق تيك توك- تمنع دخول أية تطبيقات عالمية لأراضيها، إلا بقوانين صارمة تحمي بها أبناء شعبها؛ بل حتى النسخة الصينية من تطبيق تيك توك معزولة بجدار ناري عن بقية العالم، فإذا كان بلد متقدم تكنولوجيًا مثل الصين أدرك خطورة مثل هذه التطبيقات فماذا نحن فاعلون؟!

المدافعون عن تطبيق تيك توك يقولون إنه يمكن معالجة هذا الأمر من خلال الرقابة العائلية في إعدادات التطبيق، لكنهم نسوا أن جيل اليوم يعبث بالأجهزة التقنية منذ الصغر وله في فك الشفرات حلول عديدة؛ بل ويستطيع التغلب عليها بسهولة. نحترم وجهة نظر المدافعين عن التطبيق لا سيما إذا كانوا من مُقدمي محتوى المواضيع الهادفة، لكن الجدل الدائر على مستوى العالم حوله وما يبثه من سموم يجعلنا نراجع أنفسنا، فجيل الشباب لدينا جيل بناء الوطن، وما يتعلمه من قيم ومبادئ من الأسرة والمدرسة لا يجب أن يُهدم من التطبيقات الذكية، وأولها "تيك توك".

أعتقدُ أنَّ هناك دورًا كبيرًا لهيئة تقنية المعلومات وغيرها من الجهات المعنية بالموضوع ومنها الأمنية في استدعاء مقدمي المحتوى من العمانيين في تطبيق تيك توك وتنبيهم أن تمثيل الوطن لا يكون بالابتذال وتقديم ما لا يليق؛ لأن- في النهاية- ما يقدمونه من محتوى محسوب على بلدهم؛ كونهم يمثلونها قبل أن تكون حرية شخصية، ومن الضروري هنا دراسة مدى الأضرار التي يسببها هذا التطبيق على بيئة الشباب العماني، وما يسببه ذلك من تأثير في قيمه وأخلاقه، ولو من خلال استبيان يوزع عبر مواقع التواصل أو من خلال الرسائل النصية على الهواتف النقالة، وكما قيل "أول العلاج الكي"، ويتمحور ذلك في مخاطبة إدارة تطبيق تيك توك لحظر ما يتم نشره من مضامين لا أخلاقية أو بذيئة ومبتذلة، أو قيام دول الخليج بطلب نسخة خاصة لها كما فعلت دول مثل الصين والولايات المتحدة الأمريكية، تتيح لها التحكم فيها وتناسب وضعها وقيمها ومبادئها، فإن لم يكن، فلا حل سوى حجبه بالكامل حفاظًا على أفكار وعقول شبابنا من الانحراف الضياع والفضاء الافتراضي الذي لا يخلو من برامج بديلة ربما تكون أقل ضررًا وأضعف فتكًا.