عندما يبكي الرِّجال!

راشد بن سباع الغافري

في طفولتنا كنّا نسمع كثيرًا أن الرجل لا يبكي، وتربينا على ذلك، وليس سرًا أن نقول إننا نقلنا ذات الفكرة إلى أبنائنا. ولا أدري بالتحديد سبب اعتناق هذا المبدأ في تربية ذلك الجيل، لكنه بالتأكيد لا يتوافق اليوم مع التربية الحديثة التي تميل إلى تفريغ الشحنات النفسيّة بدلاً من كبتها.

وفي السنوات الأخيرة أُجبر كثير من الرِّجال على البكاء، ولم يكن ذلك في السر ولا في نطاق الأسرة المحدود أو حدود العائلة الواحدة، وإنما سمعنا ذلك البكاء علانية في عددٍ من وسائل الإعلام ووسائل التواصل، وتكاد تكون جميعها حالات بكاء بسبب الضوائق المادية الناتجة إما عن التسريح أو ضعف الدخل أو عدم توفر فرص العمل، وما تبع ذلك من تراكمٍ للديونِ، وزجّ في السجون، وكثرة حالات الطلاق وتشتت الأسر.

إضافة إلى ما غرّد به آخرون من رؤيتهم لأشخاص يبكون بسبب عدم قدرتهم على تسديد رسوم مُعاملة أو دفع مبالغ الفواتير وغيرها. بكاء الرجل ليس سهلاً وإنما في ذلك دليل واضح وكافٍ على أنَّ الحالة وصلت معه لدرجة ما عاد باستطاعته كتمها أو تحملها أكثر من ذلك، خصوصًا عندما يطال الأمر أبناءه وأسرته، وذلك حين لا يقدر على مصاريفهم ولا على توفير احتياجاتهم، فهو إما إلى انكسار مشاهدتهم بذلك الحال المأساوي، أو إلى انكسار مد اليد لتلقي المساعدات من الآخرين، مع إدراكه التام بأن ذلك لا يحل مشكلته ولن يحبس دموعه إلا مؤقتًا.

بكاء الرجل في أوضاع كهذه إنما هو بمثابة رسالة يُريد أن يوجهها لمن يهمهم الأمر علّهُ يجد بينهم من يكفكف دموعه. وكفكفة تلك الدموع لا تكون إلا بالقضاء على أسباب نزولها وذلك من خلال توفير سبل العيش الكريم الذي يستحقه ذلك المواطن.

والرسالة إليكم تقول إنّ لديكم شعبا طيب الأعراق، شعبٌ له تاريخ مجيد وماضٍ تليد، شعب متوافق معكم أينما وجهتموه قال "هيّا" دون تجهم ولا مُكابرة، شعب مخلص وطموح محب للسلم وللعلم، قادر على صنع وفعل الشيء الكثير إن أعطيَ الفرصة وحظيَ بالدّعم.

شعبٌ يستحق أن يُشكر لأخلاقه السامية، وسلوكه الراقي، وصبره الذي يضربُ به المثل، ويستحق أن تهيأ له الظروف لعيش حياة كريمة هو وأبنائه.

لا يداخلنا شك أن هناك كثير من الجهود تُبذل في سبيل تحقيق ذلك، لكن بالتأكيد أن تلك الجهود لم تؤتِ ثمارها بعد، ولو حصل ذلك لما سمعنا أصوات بكاء الرجال، ولَمَا كتم آخرون عبرتهم ودمعتهم تعففاً، ولهذا كانت دموعهم كمن يستعجل منكم تلك الثمار لتوفروها لهم حتى تهدأ نفوسهم ويطمئن بالهم.

صحيح إن مثل هذه الظروف الصعبة تثبت دائمًا مدى تكاتف أبناء المجتمع وتعاونهم، ومدى جودة معدنهم الطيب وأصالته، وهو أمر ليس بغريب عليهم، لكن ذلك التكاتف لا يُنهي مشاكل الناس التي هي بحاجة إلى مصدر دخل ثابت بدلاً من معونات مؤقتة.

نردد دائمًا أننا "أوفياءُ من كِرامِ العربِ"، ولابُد أن نكون كذلك على الدوام، ولهذا وجب حقاً أن تُراجع بعض القرارات والتشريعات التي أوصلت عددا من أبناء هذا الوطن حدَّ البكاء، وأن يجعل المسؤول كرامة المواطن ضمن أولوياته التي لا يرضى لها ذُلا ولا إهانة ولا قهرًا. فالذين يرددون تلك الجملة في سلامهم السلطاني ويؤمنون بها في قلوبهم يستحقون بالمقابل الوفاء بحقوقهم، وتحسين ظروف معيشتهم، وإكرامهم وحفظ كرامتهم.

أخيرًا.. قد لا يستمر بكاء الرّجال إلى الأبد خصوصاً في ظل إرهاصات التململ من تلك الأوضاع المعيشية، حيث باتت حسابات بعضهم تروج للهجرة خارج الوطن، وآخرون يمهدون لرفض الدفع لمستحقات مالية من خلال هاشتقات لاقت تفاعلا واسعاً في ظل تكالب هذه الظروف، ومن يدري ربما ظهرت إرهاصات أخرى تنبه إلى أهمية مُعالجة كثير من الجوانب الحياتية للمواطن فهلا وعينا ذلك؟!

حفظ الله عُمان وأهلها وأسبغ عليهم نعمهُ ظاهرة وباطنة.

تعليق عبر الفيس بوك