حيدر بن عبدالرضا اللواتي
يتساءل البعض إن كان هناك توجه لدى البنك المركزي العماني لخفض الفائدة على القروض الشخصية والائتمان المصرفي بشكل عام؛ لتحفير الاقتصاد بعد هذه المدة التي مرت علينا من جائحة كورونا التي ما زالت تترك الكثير من الآثار السلبية على المقترضين، وخاصة على أصحاب المؤسسات الصغيرة ورواد الأعمال والمقترضين الأفراد وعلى الاقتصاد الوطني بصورة عامة.
العديد من الدول في العالم اتخذت قرارتها في هذا الشأن للتقليل من الآثار الجانبية للجائحة في مثل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها الاقتصادات نتيجة للإغلاقات والإصابات والوفيات، والآثار السلبية التي تتركها على الأفراد ومعيشتهم اليومية. ففي المنطقة الخليجية، أعلن- في بداية العام الماضي وبالتحديد في شهر مارس 2020- عددٌ من البنوك المركزية بدول مجلس التعاون الخليجي عن إجراء خفض فوري لأسعار الفائدة للمرة الثانية في ظرف أسبوعين تزامناً مع قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الذي أعلن هو الآخر عن خفض سعر الفائدة الأساسية لمواجهة الأعباء التي تعرضت لها المؤسسات والشركات الأمريكية في مثل تلك الظروف. ورغم أن هذا الأمر كان مهما أيضاً بالنسبة للأفراد والمؤسسات والشركات العاملة في السلطنة، إلا أن خمس بنوك مركزية فقط في دول المجلس في كل من السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر قامت بتخفيض فوري لأسعار الفائدة، ولم يصدر مثل هذا القرار من البنك المركزي العماني حتى اليوم.
وكما هو معتاد فإنَّ البنوك المركزية في أية دولة تهدف من اتخاذ قرارات خفض أسعار الفائدة للتحوط من أية آثار سلبية ربما تتعرض لها الأنشطة الاقتصادية للأفراد والمؤسسات، خاصة أولئك الذين بدأوا أعمالهم من خلال الاقتراض من البنوك التجارية في السنوات الماضية. ففي السلطنة تعرض الكثير مؤخراً إلى الكثير المشاكل بسبب عدم الانتظام في السوق نتيجة للإغلاقات وتراجع الحركة التجارية والسياحية والخدمية في البلاد أسوة بما شهدته بقية دول المنطقة والعالم. ورأينا أن بعض البنوك المركزية في دول المجلس تجاوب بسرعة كبيرة بخفض أسعار الفائدة على معدل الإقراض وعلى معدل اتفاقيات إعادة الشراء وكذلك الإيداع وفق مصالح الجميع من الأفراد والمؤسسات ووفق مصالح البنوك أيضا.
ما يهمنا في هذه المرحلة هو أن نشير إلى أن قيمة الائتمان المصرفي في السلطنة بلغت في نهاية الربع الأول من العام الحالي 2021 نحو 22.683 مليار ريال عُماني لمختلف القطاعات الاقتصادية وفق بيانات البنك المركزي العماني، منها 8.865 مليار ريال عبارة عن قروض شخصية للأفراد وبنسبة تزيد عن 38% من إجمالي الائتمان المصرفي.
والأسئلة التي تطرح في هذا الشأن تتعلق بتلك القروض التي يتحمل الأفراد والمؤسسات تبعاتها الشهرية، والتي أصبحت اليوم مكسبا كبيرا للبنوك بحيث بلغت أرباح بنك عماني واحد في الشهور الستة الأولى من العام الحالي نحو 94.6 مليون ريال عماني، في الوقت الذي حققت فيه المصارف الأخرى أرباحا هي الأخرى، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في قيمة نسبة الفائدة التي تتقاضاها البنوك على الإقراض في مثل هذه الظروف الصعبة. فالكل يعلم جيداً أن انتشار فيروس كورونا سبب إنهيارات في الأسواق والبورصات وأسعار النفط والسياحة والتجارة العالمية وغيرها من المؤسسات الأخرى، في الوقت الذي نشطت فيه حزمة التحفيزات المالية للمؤسسات المتضررة في عدد من الدول الأوروبية وأمريكا وآسيا نتيجة لخسائر الأسواق المالية والتجارية لكي تتمكن هذه المؤسسات والأفراد مواجهة الأعباء.
إن خفض قيمة الفائدة على القروض في المنطقة وفي السلطنة بالتحديد، وخاصة القروض الشخصية سوف يساهم في دفع الحركة الاقتصادية خلال المرحلة المقبلة، وسيكون بمثابة تحفير للنشاط الاقتصادي بالرغم من فهم وتقدير الجميع بأن الفوائض المالية لدى المصارف الخليجية ليست على حالها، ولكن الواقع يتطلب ضرورة النظر إلى المبالغ الكبيرة التي يدفعها الفرد للبنوك بسبب الفائدة المصرفية التي تقصم الظهر في مثل هذه الظروف الصعبة. فقد أصبح موضوع مديونيات الناس يعكّر صفو المجتمع العماني مع زيادة أسعار الخدمات الأخرى في البلاد. كما أن خفض سعر الفائدة على الإقراض سيعمل أيضا على تنشيط الأسواق الاستهلاكية التي تعاني من التباطؤ في الكثير من الجوانب.
فالبنوك حققت الكثير من الأرباح خلال السنوات الماضية من الفوائد التي تتقاضاها من جيوب الأفراد بسبب التوسع في تقديم القروض الشخصية للمواطنين والوافدين، في الوقت الذي استفاد فيه من هذه الأرباح مجموعة من الأفراد المسؤولين في مجلس إدارات تلك البنوك والعاملين لديها. أما عامة المساهمين فقد حصلوا على الفتات من تلك الأرباح ممن يمتلكون بعض الأسهم لهذه المؤسسات.
نقول إن الأوضاع الاقتصادية في أية منطقة وكذلك ثقافة المجتمع تلعبان دوراً كبيراً في التأثير على حجم القروض الشخصية. والمنطقة عُرفت منذ عقود بأنها لا تستطيع الاستغناء عن هذه القروض الشخصية التي أدخلت البعض في متاهات وسجون ومشاكل عائلية وأسرية واجتماعية، الأمر الذي يتطلب من الجميع ضرورة أخذ الحذر من الإقدام على الاقتراض إلا في حالات احتياج كبير للقرض، والابتعاد عن ثقافة الاستهلاك والبذخ التي اعتاد عليها البعض. وعلى البنوك البحث عن فرص أخرى لتعزيز إيرادتها وليس من خلال القروض الشخصية. كما يتطلب من الجهات المعنية توجيه الأفراد نحو الادخار بصورة أو بأخرى، مع حث البنوك برفع قيم الفائدة على الإيداعات لكي تستطيع جذب المزيد من المواطنين لتحقيق هذا المبدأ.