كلنا تحت المجهر

 

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

استيقِظ الآن فأنت تحت المجهر، ستتحوَّل حياتُك وخصوصيتك إلى ساحة حرب، أم عائلتك وأقاربك وأحبابك سيكون منهم أَلَدَّ أعدائك، أو يكُونون رهائن يُستَخدمون للسيطرة عليك.. قريباً جداً، وفي العام 2044، ستُشاطر غريمك سريرًا واحدًا وغطاءً واحدًا. جميعكم تحت المجهر كخلية فيروسية لا خير فيها إلا نقل حُثالة وقذارة العالم المندسة للعلن. ستفعل كل ذلك وما هو أحقر منه رغم أنفك.. أنت، وأنا، وأنتم، كلكم مُراقبون مُحاصرون في كابوس "طروادة"، ذاك الحصان المجنح "بيغاسوس".

أسطورة "بيجاسوس" أو "بيغاسوس" ظهرت في برنامج تجسس إسرائيلي يُشترى بالمليارات، يُبعث إلى هاتف الضحية على هيئة ملف من شخص يثق به من جهة اتصاله.. "تم قبول الملف"، وتمَّ انتهاك خصوصيتك وبدء كابوسك. ستكون مُراقبًا مُحاصرًا: موقعك، حركاتك، سكناتك وحتى همساتك، قبل أن تغمض عينيك لتنام. ومن يستلقي بجوارك؟ هناك ألف عين تُراقبك!! سيتم تصويرك وتصوير كل من تحدَّثت معه، من بائع "الشاورما" إلى أقرب أقربائك، أنت الآن تحت عدسة المجهر. لقد أصبحت هدفاً مُتحركاً، ولرأسك ثمن، ولحياتك وأسرارك سعر، ولكن لِمَ يحملُ برنامج التجسس الإسرائيلي اسم أسطورة الحصان المجنح؟

تتشابه المعتقدات والأساطير في ميثولوجيا الحضارات القديمة، وتنتشر أساطير الكائنات المجنحة والتي عادة لها جسم حيوان معروف كحصان أو أسد أو حمار يمتلك أجنحة طائر؛ مثل: "بيجاسوس" أو "لاماسو"، وترمز دائما إلى الحماية.

ظهرتْ فكرة الحماية الخارقة أو "الملاك الحارس" في الكثير من الحضارات القديمة، وهي مُستمدة من فكرة العناية الإلهية الخارقة، تجتمعُ بها عناصر الكمال الأربعة: الشجاعة، والقوة، والمجد، والحكمة. وقد استخدم البشر فكرة "الملاك الحارس" الخارق الحامي كثيراً، وامتدت هذه الفكرة لمختلف الحضارات القديمة، واليوم أضحى برنامج "بيغاسوس" -الحصان المجنح أو طروادة- حديثَ الساعة وصفيحًا ساخنًا يُثير تساؤلات عديدة: مَن يراقب مَن؟ ولصالح مَن؟ وما هو الثمن؟

أخطر ناقوس لساعة طروادة الرقمية "بيجاسوس" البشرية بالحرب السيبرانية، بيادقها وضحاياها أفرادٌ تجرَّؤوا على استخدام كلمة "لا"، أو أثاروا تساؤلات: "أين الحقيقة؟". ما كان للعالم أن يستيقظ على عشرات بل مئات وآلاف الأعين المندسة، تُراقِب وتتجسَّس بخفة، إلا بعد أن نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية نتائج التحقيق الذي أجرته بالتعاون مع 16 مؤسسة أخرى من 10 دول، بتنسيق من مؤسسة "فوربيدن ستوريز" (قصص ممنوعة)، وبدعم من منظمة العفو الدولية تحقيقاً استقصائيًّا مطولًا عن أكثر من 50 ألف هاتف لصحفيين ومُعارضين سياسيين، بل ومُلوك ورؤساء وِزارات، وشخصيّات عربيّة وعالميّة بارزة، ونشطاء حقوقيين، ورجال أعمال، هم تحت المراقبة أو أهداف مُحتملة قادمة. وهكذا يَصفع "بيغاسوس" وجه البشرية الحُر، الذي يتشدق بحقوق الإنسان، بل وأفرد لها قوانين وشَرَع لها منظمات حقوقية تحمي الأفراد، ليقف اليوم غيرَ قادر على مُقاضاة من ينتهك خصوصيته ويذيب 206 عَظَمات -يقوم عليها جسده- في حمض الأسيد.

ستمدُّ اليد القمعية كفَّها بالسلام، وستقام محافل دولية لتوقيع الاتفاقية الإبراهيمية للسلام، وبكفها الآخر سيتم إرسال "بيجاسوس" الإسرائيلي، وسيتم اختراق خصوصيتنا.. قطعًا، المشغِّل الإسرائيلي هو وحده المستفيد من كمِّ هذه المعلومات.

... إنَّ "بيغاسوس" هو الملاك الحارس للصوص الأوطان المنهوبة تحت دِثَار الإرهاب، وستترقق دموع الأعين الوقحة، ولن تكون أشد وقاحة من تعليق المتحدث باسم شركة NSO الاسرائيلية -الشركة المصنِّعة للبرنامج- حين قال: "لا يمكن لوم شركة تصنيع السيارات على حادث تسبب به سائق مخمور".

فلا تحلُم بأن تغمض عينيك بعد الآن.. أنت، وأنا، وأنتم تحت المجهر، تسلل طروادة من بين طيات ثياب الميثولوجيا الإغريقية، وأشهر سيفه الرقمي "010"، وأيقظ عيوناً فاجرة تحرس أورشليم المنهوبة افتراضيًّا، لترصد مذعورة مغبَّة بزوغ نجم "نبوخذ نصر"، ويهد هياكل العناكب الجاسوسية المتعفنة، ويُسقِط الإسبرطي المخمور من صهوة "بيغاسوس".