إسماعيل بن شهاب البلوشي
من يتابع وضع الأمة ودول المنطقة ويقرأ المشهد العام بترفع ومصداقية، فإنِّه وبعد أن يطلع على كل شيء فإن أقل ما يمكن أن يعبر عنه وفي المحصلة النهائية من تلك القراءة أن هذا الجزء من العالم يمكن أن يكون أفضل وهذه الحقيقة يعلمها كل أهله وبكل أطيافهم ومشاربهم ومن زمن طويل جداً تعاقبت عليه الأجيال والسنون.
غير أن هذه الأمم ترسخت بها أفكار اختلطت بين العادات والسلوك وكذلك كثير من الاعتقادات وكان نتاجها التأخر بخطوات كثيرة عن باقي الأمم، ولأن الطموح في أهل المنطقة بعيد وحب الحياة والاستمتاع بها مترسخ وبقوة فقد اعتاد على الشعور الطيب بالسخاء في كل مجال وبناء البيت الأكبر من الحاجة واقتناء وسيلة النقل الفارهة والتمتع برغد العيش وطلب الخدمة المتميزة والكثير من هذه الجوانب، ولكن في المجمل فإن ما يملك فعلياً لا يُغطي تلك الأماني، فاتجه إلى الديْن، بل والديون، بمختلف الوسائل، وجعلت البنوك ربحها الحقيقي من تلك الديون، وأهل المنطقة في حيرة كبيرة بين مسايرة المجتمع لجعل مستوى عيش الأسرة مُشابهاًـ وبين الانفراد بفكرٍ آخرـ وهذا من العسير تقبله من كل أفراد الأسرة.
هنا نعود إلى بداية الحديث ما بين متاهة النظرة في تحقيق المسايرة وبين ما يملك، فكانت معظم الأفكار أننا نحن أهل هذه المنطقة أغنياء ولدينا كنز كبير، غير أن الحكومات ومن على رأسها لا يجيدون فتح تلك الكنوز، ولو أنَّ المسؤول مخلص مثلاً والمؤسسات تعمل بالشكل الصحيح؛ لأصبحنا أغنياء، ومع الأيام فقدنا جميعاً مصداقية التفكير في أمرين؛ وهما: ماذا أقدم أنا لتكون الأوطان غنية؟ والأمر الآخر: هو إجماعنا وارتباطنا التكاملي بصورة الجمع في العمل، ومن هنا فإن بعض الدول اتجهت إلى تغيير دفة قياداتها ولمرات عديدة على أمل أن تجد واحداً مُتمكناً ويستطيع فتح الكنز المفقود. غير أنَّ التاريخ لم يسجل لنا عملياً أن أي من تلك الدول أصبحت أفضل حالاً بلغة الأرقام؛ أي أن الرواتب زادت والتضخم قد تناقص وكذلك الأسعار هبطت وقيمة العملة ارتفعت؛ بل إنه وفي كل مرة كانت كل تلك الأرقام معاكسة وبقوة وبوتيرة متواصلة ولم يحققوا إلا الخسران المبين على أرض الواقع، عدا بعض الشعارات مثل الحرية التي لا أراها إلا مغلفة بلغة إعماء العيون عن الحقائق.
السؤال الكبير للأمة: هل بالفعل يوجد كنز غير أننا لم نجد من يوصلنا إليه؟
إجابتي المتواضعة الواثقة: نعم.. هناك كنز كبير يغنينا جميعاً، غير أن به صعوبة كبيرة في مفتاح ذلك الكنز، وعلينا جميعاً أن نتعاون للحصول عليه؛ ذلك أن الكنز المذكور به باب كبير جداً ومفاتيحه أعدادها بالملايين وليس مفتاحاً واحداً، وهنا الفيصل والفارق الاستراتيجي في الأمر، إذ إن تلك المفاتيح التي يحتاج الكنز لفتحها هي بعددنا، ونحن جميعاً من يملكها، فكل واحدٍ منا يملك مفتاحاً، وإذا لم نشارك ونأتي بكل تلك المفاتيح فلن يُفتح. نعم أنت من تقرأ الآن، لديك واحد من أهم المفاتيح فلا تذهب بالفكر بعيداً، وعليَّ أنا أن لا أذهب بالفكر بعيداً، لنحول ما لدينا من مصاعب على تكالب الأمم علينا، فلكل أمة مصلحة تعمل عليها وعلينا أن ندرك مصالحنا.
المفاتيح التي نملكها جميعاً تتمثل في الفكر البعيد والنظر بلغة الجمع والمشاركة الفاعلة في التخلي عن الكثير من السلوكيات غير المناسبة، وأداء الواجب والتحول من مطالب إلى داعم، ومن مستهلك- وحسب- إلى من يضيف في المال العام من الشعور بحب الخدمة الممتازة، لنكون واحدًا ممن يعطي أفكاراً إيجابية للترفع للمساهمة، إلى الشعور أن الحشائش في مكان عام التي أمر بها مختصراً الطريق، هي حديقة منزلي الكبير: وطني العظيم، ملكي وملك أبنائي وأحفادي.. عليّ أن أعلم أننا وإن كان الوطن هو الحاضن وليس شيئا آخر، إلا أنه يجب مطالبة النفس بدفع المزيد ومن سيصرفون المال العام، وإن حملوا نفس الفكر، سنفتح كنوز عظيمة، وليس كنزاً واحداً.