الإعلام الرياضي والاستفهامات الخمس!!

 

إسحاق البلوشي     

Isehaq26926m@gmail.com

 

بعد نشر مقاليَ الأخير "المناظرة المنتظرة" كتب إليَّ أحد الزملاء الرياضيين من الرعيل الأول كتاباً يقول فيه بعاميته الجميلة والممزوجة بشيءٍ من نخوة الرجل العُماني وشيءٍ من عاطفته وغيرته على الرياضة (أبو عزام: ليش أمور الرياضة عندنا متخربطة، وليش ما نقدر نتفاخر برياضتنا مثل البقية وعندنا كل شيء، عندنا انتخابات وقوانين وغيرها..) ثم أردف قائلا باستغراب (أبو عزام: وين الإعلام الرياضي من كل هذا؟).

تحمل هذه الكلمات البسيطة التي كتبها إليَّ ذلك الرجل البسيط في طياتها حزناً وأسفاً على ما آلت إليه حالة الرياضة في سلطنتنا العزيزة، ويعلم الله أنني ما أتممت قراءتها حتى شعرت بأنَّ اللوائمَ لبستني، والعواذلَ لذعتني وأوجعتني، وألسنة الملامة قرصتني، فأيُّ عقل يطيب له أن يدَّخر من فكره شيئاً أمام هذه الكلمات، وأي قلم يستطيع أن يتمالك أمام تلك العبرات!!

عندما ننظر إلى تكوين المجتمع الرياضي نرى أن له من العناصر والأركان العديدة التي يقوم عليها، وكما أشار هذا المتسائل بفطرته إلى أن الإعلام الرياضي من أهمها، حيث أصبح يؤثر في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بحياة الرياضة والرياضيين، والذي يعوَّل عليه الكثير في إدارة المؤسسات الرياضية ابتداءً من الانتخابات وانتهاءً بتقييم الأداء المؤسسي والوقوف على الإنجازات.

وفي المقابل عندما نتأمل حالة الإعلام الرياضي تتبادر إلى أذهاننا العديد من الأسئلة أوجزها فيما يلي: أليس من أدوار الإعلام الرياضي التعاطي مع القضايا والإشكالات التي تعيشها المنظومة الرياضية في السلطنة، ومناقشتها مناقشةً علميةً ممنهجة وإبرازها للرأي العام الرياضي؟ ألا ينبغي على الإعلام الرياضي أن يستفهم ويطرح الأسئلة حول إخفاقات الرياضة؟ ألا ينبغي على الإعلام الرياضي الوقوف على بعض التجارب الرياضية الناجحة واستخلاص العبر منها ومُقارنتها بإشكالات الرياضة معنا؟

لا أعتقد أنَّ أحداً في الحقل الإعلامي يستطيع أن ينكر أن هذه الأدوار هي من صلب عمل الإعلام الرياضي والدور المنوط به، ولا أعتقد أيضًا أنَّ أحداً منهم يستطيع أن يثبت أن الإعلام الرياضي قد قام بدوره الأصيل في خدمة هذه الأدوار بشكلٍ مهني محترف؟ ولا أريد أن أجزم هنا بإخفاق الإعلام الرياضي في القيام بأدواره تجاه العمل الرياضي المؤسسي في السلطنة.

لكنني أطرح استفهامات خمس أوجهها للإعلام الرياضي والإعلاميين، متسائلاً عن الدور الذي قام به الإعلام الرياضي لمناقشة هذه الإشكالات ومواجهة هذه التحديات وبأي مستوى من المهنية تعاطى معها وأبرزها للرأي العام الرياضي؟ والاستفهامات الخمس هي:

أولاً: لماذا عجزت خطط واستراتيجيات الرياضة في السلطنة أن تأتي بالبطل الأولمبي ويتحجج جميع المسؤولين في المنظومة الرياضية علناً بأنها ليست من مسؤولياتهم وإنما مسؤولية الجميع؟

ثانياً: لماذا تغيب الشراكة بين المؤسسة الإعلامية والمنظومة الرياضية لعقد المؤتمرات الصحفية قبل المشاركات الرياضية للوقوف على الاستعدادات والجاهزية، وبعد المشاركات للوقوف على ما تمَّ تحقيقه ومناقشة الإخفاقات؟

ثالثا: لماذا يصر أعضاء الجمعيات العمومية على اختياراتهم للمرشحين رغم اعترافهم ضمنا بعدم كفاءتهم، ولم نسمع يوما في إطار المسؤولية القانونية التي حددتها الأنظمة الأساسية عن استجواب هذه الجمعيات لأحد رؤساء الاتحادات الرياضية ومناقشته على أدائه المؤسسي؟

رابعا: لماذا تُبتز الأصوات الانتخابية قُبيل المواسم الانتخابية من خلال الإعلان عن تدشين بعض المشاريع واستضافة بعض الاجتماعات والفعاليات؟

خامسا: لماذا يقبل التكوين المؤسسي للناخبين أن تتجه الانتخابات الرياضية على مسمع ومرأى من الجميع إلى نفق المحاصصة الانتخابية فيما بين المتنافسين؟

ألا تستحق هذه الإشكالات والتحديات التي تواجه الرياضة أن يقف الإعلام الرياضي بجانبها، ويُساهم في حلحلتها؟ ألا تستحق المنظومة الرياضية في السلطنة أن تُناقشَ قضاياها بشيءٍ من الفكر الإعلامي الحديث، وإسقاط بعض التجارب الإعلامية العالمية الناجحة عليها؟

لماذا لا يتعدى الفكر البرامجي الذي يُدار من بعض المذيعين الأفذاذ العمالقة كما يُطلق عليهم في الإعلام الرياضي، استضافة بعض الأشخاص الذين تكرر ظهورهم على الشاشات عقوداً من الزمن، فلا جديد لديهم سوى استعراض نتائج المباريات وقراءتها من الشاشات والجوالات، وبمجرد أن يراهم المتابع تصيبه حالة من اليأس لعلمه بالذي سيدلون به قبل أن يتحدثوا، ولا يلتبس لديه الأمر بأن الأفهام لديهم تحجرت، والأفكار تجمدت فلا يستطيعون قولاً ولا يهتدون سبيلا.

لقد عجزت هذه البرامج عجزاً شديداً عن أن تأتي بنفعٍ للرياضة، لكنها لم تعجز في استدعاء الماضي العريق فأطلقوا عليها بعضاً من مُسميات المجالس وأنواع الأثاث، عساها أن تشفع لهم ولو بشيء يسير عند الرياضة والرياضيين، ولكن هيهات هيهات. أو كالذي يستضيف بعض الشخصيات ويدير حواراً معهم، لمناقشة الكثير من هموم الرياضة والرياضيين ثم يسألهم بعض الأسئلة، ويفرض عليهم أن يُجيبوا بـ"صح أم خطأ" ثم يستعرض أمامهم بعض الصور ويجبرهم أن يختاروا واحدة منها للتعبير عنها، وكأنهم في فصل من فصول رياض الأطفال، ثم يأتي هؤلاء بعد هذا يطالبون المنظومة الرياضية بالبطل الأولمبي، موجهين سهام النقد للمؤسسات الرياضية وإداراتها.

أليس من الأوْلى أن يعالج الإعلام الرياضي والإعلاميون إخفاقاتهم أولاً بدلاً من هذه المطالبات، ما الذي تجنيه الرياضة وماذا ينتفع المجتمع الرياضي من هذه البرامج والحوارات التي ناقشت كل شيءٍ في نظري إلا شؤون الرياضة وتحدياتها، ألا تعتبر مثل هذه البرامج حملاً ثقيلاً يشوه صورة الإعلام الرياضي.

لماذا لا نرى هوية واضحة للإعلام الرياضي ونجده خلال فترةٍ زمنيةٍ قصيرةٍ يتبدل ويتشكل بتبدل وتجدد الأشخاص في المؤسسات الرياضية؟ ألا يجب على المسؤولين في الإعلام الرياضي إعادة النظر في أداء المؤسسة الإعلامية وأداء بعض الإعلاميين فيها، الذين تدثروا بالألقاب والأوصاف العظيمة فمنهم الإعلامي الكبير، ومنهم الإعلامي الخطير، وهذا إعلامي قدير، وذلك إعلامي محنك، فأصابهم الغرور بظهورهم على الشاشات، وتفاخروا بألقابهم وأوصافهم فانتفخت برامجهم انتفاخًا خادعاً لا قيمة له؟

بمن يستغيث المجتمع الرياضي وبمن يستنجد؟ ومن الذي يلجأ إليه لهذه الملمات والتحديات؟ أيلجأ إلى الأندية وهي التي تستغيث مما أصابها، فقد نَخَرَ فيها فكر الوجاهة والأوصاف فجاء إليها بكل شيءٍ إلا الرياضة، أم يلجأ إلى الجمعيات العمومية وهي التي اختارت وانتخبت، أم يلجأ إلى الإعلام الرياضي الذي هذا حاله وتلك هي برامجه. والله لن تبلغَ الرياضة العمانية مجدها إلا إذا استرجعت ما أضاعته من فكرها، وتخلصت من تخاذلها وتهاونها، وانتهزت الفرص وحاذرت الفوات، وشمرت نحو الإنجاز فسارعت الخطى، وطلبت من الأمر أوائله دون أواخره.

تعليق عبر الفيس بوك