أنيسة الهوتية
"الفساد"، مالياً كان أم إدارياً أم أخلاقياً، هو آفةٌ بكافة أنواعه على المجتمعات والحضارات، والتاريخ يشهد سقوط حضاراتٍ عظيمة من قمتها وأوج هيبتها إلى أسفل سافلين بسبب آفة الفساد، وللأسف الشديد لا نستطيع إنكار أنَّ أغلب الحكومات في الوقت الحالي ومنذ الأزل تُعاني فساداً ونتانة في دهاليزها المُمتلئة بالجيف، ولربما الفاسد يكون شخصاً حيّاً لا يُستغنى عنه في نظر البعض، أو يكون نافعاً اجتماعياً في نظر الآخرين، أو شخصية بناءة هادفة في نظر فئات وفئات ومن الممكن وصفهم بأغلب الصفات الجميلة، كما يراهم البعض ولكن في عين الواقع وعلى جبين المنطق يبقون أياً كانت أفعالهم التي يغطون بها أعمالهم السيئة "فاسدين".
ولولا جشع وطمع هؤلاء الفاسدين وجماعاتهم وبطاناتهم و"لوبياتهم" التي تتوسط أغلب الأوساط الأرستقراطية، والديمقراطية، والبيروقراطية، والسياسية والحقائب الوزارية الحكومية، والأهلية، والمجتمعية، والمشاريع والمؤسسات واحتكار أغلب أنواع التجارات الكبيرة لأسماء مُعينة لا يمر بالمسامع غيرهم أو من يجاورهم في ذات المهنة، لَكَانَ الفقر معدوماً ومنقرضاً من الأوطان ولَكَان الإنسان يقول عن الفقر كان يا ماكان في قديم الزمان كانت هناك حالة تُسمى بالفقر في سابق الأزمان!
إنِّه من المؤلم أن تجد مواطناً في وطنه وصلت بهِ سنين العمر إلى الأربعين وما فوقه وما زال لا يمتلك بيتاً يعيش فيه بأمان مع عائلته، زوجته وأبنائه! لأنه وللأسف لم يكن قابلاً أو مؤهلاً للحصول على قرض سكني بسبب راتبه المتقشف طوال سنين عمره التي اشتغل بها وهو الآن قريبٌ جداً من سن التقاعد ولا زال يسكن في بيت للورثة! أو بالإيجار! وعندما تم توزيع الأراضي، ذهبت أراضيه الدسمة الثمينة إلى من لا يحتاجها إلا كمن وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم: "لو كانَ لإبن آدم واديانِ من ذهب لابتغى إليهما ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب" صدق حبيب الله ورسوله الأمين.
وإنِّه من المُؤلم أن تجد مواطناً في وطنه يبيع ما وراءه وأمامه ويربط نفسه على حبل مشنقة مع البنوك لأجل أن يكمل دراسة ابنه أو ابنته أملاً منه بأنه مع تلك الشهادة سيحصل على وظيفة راقية تنقذه وعائلته المستقبلية من حُفر الفقر، ولكن في النهاية لا يجد هذا الخريج وظيفة، وتمر به السنون وهو في قائمة الانتظار! ومن المُؤسف أن المِنح الدراسية المجانية من الممكن أن تذهب إلى من يمتلك المال الكثير، ولديه القدرة على دفع تكاليف دراسية لأبنائه المشابه وضعهم لوضع ابن الرجل الفقير من حيث المُؤهل الدراسي التخرجي من الدبلوم العام.
وإنه من المؤلم أن تذهب امرأة مطلقة أو أرملة لتتابع موضوعها المعلق في جهة حكومية وظيفتها أن تخدم المجتمع والمواطن، مثلاً لمتابعة موضوع، أرض حكومية تستحقها كمواطنة، أو راتب ضمان اجتماعي، فتواجه الأمرين وقد تتعرض للمضايقات.
هذا غير انتشار الرشوة بين بعض الموظفين، وأيضًا المُحاباة، وغيرها من الأمور الكثيرة التي تحصل في تلك الدهاليز المظلمة، أو لربما في الممرات المضيئة مرتدية عباءة القانون الذي يدرك صاحبه الاستثناءات القانونية والمباح وغير المباح منه!
الأوطان الناجحة تحتاج إلى مواطنين أُمناء حتى يقتلوا الفقر بقتلهم الفساد، ويحيوها ويرتقوا بها إلى العلياء.