ليلى واثنا عشر راعيا (1- 2)

 

الطليعة الشحرية

نرجسية بطبعي والعبثية أسلوبي أرملة سوداء ولوني خمري يُسكر أتقنت فنون الهوى والعشق وتمرست الدلال وكسرت قنينة الحظ وسلبته. أنا ليلى ويحرسني ألف مجنون، خطيرة هي اللعبة التي ألعبها، وروحي تواقةُ للترف والأصفر مطلبي وجل مطمحي. رسمة عيني لا تهم ولا يهم لونها الأهم قدرتي على غزل الشباك وقنص الفريسة.

تفحصت أظافري بشغف إنها مرتبة وطلاؤها لامع كنت انتظر صالح في المقهى المُطل على الشاطئ وترى الناس يمارسون حياتهم اليومية الرتيبة، بين رياضة المشي، والتأمل، أو أكل المشاكيك. صالح يحمل الرقم الحادي عشر في قائمتي السوداء، شقيقته كانت إحدى صديقاتي.

لم يهمني تحطيم الروابط بيني وبين صديقتي بقدر ما يهمني المبلغ الذي أقدر أن أسحبه منه وبأمهر حيلة ماكرة وقانونية. وهنا الدهاء أن آخذ ما أريد بيد القانون. صدق من قال بأنَّ القانون لا يحمي المغفلين. أحببت المثل ومن ابتكره كثيراً لعله من أبناء عمومة الشيطان.

تحالفت شياطيني وعانقت كف بنات أفكاري منذ أن أدركت كنز أنوثتي المتفجرة، فمرآة القلب كليلة وعذب الكلام أسقيك إياه علقمًا. أحترف الصيد، فتعلمت مبكراً، أنه ليس من السهولة الإيقاع بجميع من أرغب بالشرك. فانحصرت خياراتي بالحمقى والمنغمسين باللذة بشرط أن يكون منصبه رفيعاً أو عسكرياً ليسهل مقايضته وابتزازه بجهة عمله وعائلته. ما عليَّ إلا نصب الفخ، واختيار الضحية ومن ثمَّ مساومته، والأهم أن أحيط بالقانون علماً، وأعلم ثغراته. طوعت القانون ولففته كحزام على خصري فإذا واتتني الفرصة استخدمه كسوط، أُرهب به من يتمنع فتتساقط الأموال جنياً، وأقطف تفاحة جهدي عطاءً جزلاً. فتحت سحارتي المغلقة بعد طلاقي من زوجي الأول، الذي كافأني بسخاء بعد الموافقة على الانفصال. صاحبي الوفي الوحيد الذي لم يتنصل عنِّي كان الأصفر والورقة البنفسجية هما الخليلان الوفيان وبهما أذلل العقبات وأصهر بهما الصعاب، وكيف لي أنا التي لم أكمل تحصيلي العلمي، أن أعمل وأنا أحمل عنوان مُطلقة، لم تتمكن من الإنجاب، وتم التخلص منها في منتصف درب الحياة بألف ذريعة ومسوغ.

لا لن أسمح لهذا العالم بأن يختزلني ويتخلص مني، لن أرضخ للتهميش، وسأقتلع من عينيك الساخرتين يا دنيا، كل ما يقع في كفيَّ. وسأبصق بوجه كل درب سلكته بك يا حياة، لن تُقصيني أبداً، ولن أسمح لك بركني فوق خزائن الانتظار. فليلى التي كانت ماتت وأحرقت رُفاتها، ونثرته فوق نُعوش الاثني عشر راعياً.

وصل صالح والارتباك ينفضه نفضاً كعقب سيجارة استهلكها صاحبها. صالح زوجي الثالث وشقيق صديقتي، يعمل بوظيفة أمنية حساسة وله رتبة مرموقة ومستقبلٌ واعد. تزوجنا بعد حب شهرين وعلى الرغم من اعتراض والديه لأني لا أنجب إلا أن شقيقته ساندته فهو مطلق وله أبناء من زوجته الأولى.

جلس صالح وحدثني بحنق يشوبه حرقة يكتم سعير نيرانها، كان يحاول أن يقنعني بأن أتنازل عن القضية التي رفعتها عليه في الادعاء العام، وفي المُقابل سيجزل لي العطاء ويسقيني كؤوس العشق البنفسجية حتى يرتوي ظمئي. ماطلت صالح وتخابثت عليه، بالرغم من أنَّ المبلغ مُجزٍ إلا أنني أريد سيارته المرسيديس الذهبية، والتي طلبها من ألمانيا خصيصاً بمبلغ وقدره، وحدها الذهبية تسيل لعابي وتغريني بالتنازل عن قضية الاعتداء والتعنيف التي رفعتها عليه، أما قضية التهديد بالقتل فلن أتنازل عنها إلا بمقابل مُرضٍ كأرض تجارية أو منزل.

استعطاف صالح وتذلـله لم يشفع له، ذكرني بالأيام الخوالي وحبنا، وكيف أنَّه خاض خضم الصعاب وتصدى لسموم ذويه الهادرة والرافضة ارتباطنا بجسارة تشفع له أخطاءه التي اقترفها بحقي، كنت استمتع بانكساره أيُما استمتاع فتنتشي روحي السكرى بلذة تذلـله وقهره.

انتهت الجلسة والحوار وأخبرته بأن السيارة المرسيدس الذهبية ستكون هدية تنازلي عن قضية التعنيف، أما تُهمة الشروع بالقتل فلن أتنازل عنها إلا بفيلا وذكرته أن القضية مستمرة وأنه بالتأكيد سيكون هنالك إخطار لجهة عملة، فالأفضل أن يسرع ويلبي طلبي.

صالح الأحمق يهوى الشرب والكأس وينغمس بالملذات كنت أعلم عنه ذلك، فقد كان من السهل أن أسحب الكلام من شقيقته سميرة، في مقهى المدينة والذي كنَّا نلتقي فيه كمجموعة صديقات هناك قررت أن ينضم صالح إلى ضحاياي. كان قد طلق زوجته إثر خلاف بينهما وكانت سميرة تحكي لنا التفاصيل وكيف أن زوجه أخيها امرأة شيطانة تعشق النكد والسيطرة، وكيف أنَّ أخاها صاحب القلب الطيب الكسير كان يسقيها ماء عينيه دون طائل يُرجى ودون أن تكف روحها المتسلطة عن المناكفة. تعمدت سحب الهاتف المحمول لسميرة وأخذت منه رقم صالح وسجلته في هاتفي تحت اسم الراعي الحادي عشر.

وهكذا صنعت شبكتي أحكمت حياكتها وتأكدت من نشرها وسهلت عملية الاستقطاب ولم يستغرق الأمر طويلا حتى وقع صالح النّهم العطشان فغدوت له سلسبيلا. تاقت روحه للنشوى فأعطيته، سعى للتحرر من التسلط فحررت قيده. كل ما تمناه صالح صنعته بل اختلقته من العدم وأوجدته من الرماد، فصار صالح كلباً وديعاً، إن تواريت خلف الباب فلا ينقطع نُباحه وإذا لمحني افترت أشداقه وهز ذيله.