عيد سعيد

فاطمة بنت إسماعيل اليمانية

لا زال في قلبي إليك بريد
لا زال فيّ مشاعر وقصيد
وأقولُ في عيدِ السعادةِ نلتقي
العيدُ جاء؛ لماذا أنتَ بعيد  (مجهول) 

*****

أجبرها قرار اللجنة العليا بالإغلاق التّام أيام عيد الأضحى المبارك، على الذهاب هي وأسرتها إلى منزل عائلة زوجها، وبعد وصولهم والسلام على أفراد العائلة، حمل زوجها وأولادها الحقائب متّجهين إلى الغرفة التي سيقيمون فيها؛حيث تم توزيع غرف المنزل على كل من أراد قضاء إجازة العيد مع العائلة، واتّفق الأشقاء على المبيت معا في غرفة الضيوف هم وأولادهم الذكور ممن تجاوز سنّ الرابعة، على أن يكون التجمع صباحا في مجلس الرجال الكبير، والصالة الأساسية ستكون مقرّ نساء العائلة، والبنات.

دخلت أم عزّان إلى غرفتها ثم جلست؛ لأخذ استراحة من عناء الطريق، وأمسكت هاتفها؛ لقراءة الرسائل، فوصلتها رسالة من شقيقها عبارة عن صورة قديمة من صور العيد التي تمّ التقاطها في منزل جدّها رحمه الله، صورة يزيد عمرها عن الخمسة والثلاثين عاما، ونصف من في الصورة رحلوا عن الدنيا وغادروها؛ فمسحت دموعها، ثم عادت لتأمّل الوجوه الباسمة، والأطباق الموزعة على السفرة الممتدة في صالة المنزل القديم. كانت أطباقا متنوعة من الهريس، والعرسية، والخبيصة، والفواكه والحلوى العمانية، والكعك وعلب البسكويت الزرقاء المستديرة.. وتحلّق حولها أفراد العائلة؛ لتناول وجبة إفطار العيد، والجميل أنّ جميع من في الصورة ينظرون إلى عدسة الكاميرا مبتسمين مبتهجين؛ لأنّه سيتم تصويرهم. وتمّنت لو تعود تلك الأيام، ببساطتها، وعفويتها، ونكهة أطباقها المميزة المعدّة بشغف، والّتي لم تصنع للتباهي والاستعراض والتقاط الصور، في زمن التأنّق الكاذب، والأطباق المذهبة، والدلال المزخرفة، والطاولات المفروشة بمفارش حريرية، ورغم ذلك تمنع منظمةُ حفل العيد الجميع من لمسها قبل التصوير! 

نعم.. أصبح للعيد منظمة! وقد توّلت هذه المهمة إحدى شقيقات زوجها.. فهي منظمة حفل العيد؛ وذلك لشعورها بضخامة العمل الذي تقوم به، والطقوس التي تشرف عليها؛ فتضطر سنويا زوجات الأشقاء لرفع أيديهن بالدعاء لها بالزواج؛ حتّى تنشغل بحياتها عن حياتهم! وقبل أسبوع العيد، أرسلت في مجموعة العائلة في الواتسآب تسأل زوجات أشقّائها عن عدد الحضور، ثمّ وزعت المهام المطلوبة من كلّ واحدة، مع كتابة تعليق أسفل الرسالة: من لا تستطيع القيام بالمّهمة الموكلة إليها؛ تخبرني من الآن، حتّى لا أتفاجأ ليلة العيد بأي غرض ناقص يُفسد الحفل!  فأرسلن لها: - اعتمدي! لا داعي للقلق..

كانت القائمة مليئة بالأطباق، والهدايا، والتوزيعات، وأكواب التقديم، والمشروبات، وطلبت من أمّ عزان إحضار ملاعق بلاستيكية مذّهبه متوسطة الحجم، وثلاثة أطباق لأكلات لا تجيد أم عزّان نطق اسمها، فاكتفت بنسخ الاسماء وإرسالها على رقم الفتاة التي تدّعي أنّها تتفنّنُ في إعدادها، ولم يتبقَ عليها إلّا إحضار بطاقات المعايدة. 

بحثت أمّ عزّان في المكتبة المجاورة لبيتهم، ووجدت بطاقات ملونة؛ فقامت بتصويرها وأرسلتها لشقيقة زوجها؛ فقالت لها: أين عبارة عيد أضحى مبارك؟! - بدون عبارات- لا نريدها.

فاضطّرت إلى الذهاب إلى أكثر من مركز تجاري ومزاحمة الناس قبيل العيد، للعثور على البطاقات؛ فمن غير المعقول أن توضع العيدية في بطاقة لم يكتب عليها "عيد أضحى مبارك"! وعندما اشتكت من الزحمة، قالت لها: أنتِ وافقتِ من البداية على إحضار البطاقات! عثرتُ على بطاقات كُتِب عليها "عيد سعيد"! لا بدّ أن تكون كلمة "عيد أضحى مبارك"! حتّى يفرّق أولادكم بين العيدين!

فواصلت البحث عن البطاقات المقصودة، وعندما عثرت عليها شكرت الله، حتّى لا يتمّ اتّهامها بإفساد بهجة العيد! أو التسبب في خلط المفاهيم في ذهن أطفال العائلة؛ فلا يفرقون بين عيد الفطر! وعيد الأضحى المبارك! رغم اقتناعها التّام بأنّ هذه المظاهر تزعج الأطفال أكثر من إبهاجهم؛ حيث يضطّرون منذ عامين إلى الجلوس بكامل أناقتهم يتأمّلون الطعام المرصوص بإتّقان على الطاولة الكبيرة الّتي تتوسط صالة المنزل؛ لكنّهم لا يأكلون قبل قيام منظمة الحفل بالتقاط صور العيد لهم. فتُصوّرهم طفلا.. طفلا! محاولة إظهار جمال الزيّ الذي يرتديه الطفل، وأن يقف في وضع مناسب لهيئته! وطبيعة ملابسه! مع المحافظة على ابتسامة صادقة معبرة.. نابعة من القلب! ولا يفهم الطفل شيئا مما تقول؛ عدا إغماض عينيه، وإظهار أسنانه! ولو كانت أحد أسنانه الأمامية ساقطا؛ فبإمكانه التّبسم دون إظهار الأسنان! وعندما تنتهي من تصوير الأطفال تتجه لتصوير الفتيات الصغيرات، فتصور إحداهن وهي تحمل وردة، والثانية تحمل حقيبة صغيرة، وقد تطلب من الثالثة الوقوف قرب النافذة ممسكة بطرف الستارة! ومن الفتاة الرابعة وضع ذقنها على يدها؛ لإبراز نقش الحنّاء، فإذا كان النقوش مطموسة الملامح؛ فإنّها تطلب منها وضع يديها في الخلف! وقد تمرّ ساعة كاملة في طقوس التصوير المُرْهِقة، والويل لكل من تطلب من منظمة حفل العيد الكفّ عن التصوير؛ لأنّها ستضطرُّ بعد ذلك إلى تحمل كلامها، وهي تردد: علّموهم التأنّق، لا التخلف! ربّوهم على "البرستيج"! - لم يأكلوا شيئا منذ الصباح! سيأكلون! لم العَجَلة! خمس دقائق وننتهي! ولا تنتهي إلّا بعد أن تطلب من جميع الأطفال الجلوس قرب بعضهم البعض، وأن يقوموا بحركة متشابهة؛ ففي عيد العام الماضي رفعوا شعار النصر، وفي عيد الفطر  الفائت أحضرت سلالا صغيرة وطلبت من الأطفال حملها ورفعها للأعلى! واعتبرتها حركة مبتكرة مبهرة!

وعندما فرغت من التصوير؛ أعطتهم الإذن في الذهاب إلى الأكل؛ فأسرع الأطفال فرحين، وانطلقوا للمائدة هم وأمّهاتهم، بينما جلست منظمة الحفل على كرسي منزوٍ تشاهد الصور التي تمّ التقاطها؛ لتحذف الصورة السيئة، وتضيف فلاتر على الصورة الجيدة، وفي نفس الوقت تصدر أوامرها من بعيد:  كلوا.. بحذر! واحرصوا على نظافة ملابسكم؛ ربّما نضطر للتصوير مرّة أخرى! فيشرق الأطفال بما يأكلون قبل أمّهاتهم؛ لأنّ طاقتهم على تكرار التصوير قد نفدت، ويريدون الخروج إلى باحة المنزل للعب، بدل اتّخاذ وضعيات مملة تقيّد حركتهم وتثبط همّتهم منذ الصباح الباكر. ثم تكرر ملاحظاتها مرّة أخرى: انتبهوا على الأطباق حتّى لا تكسر! خذوا الكعك لكن لا تفسدون ترتيب بقية القطع!

فتذكرت أمّ عزّان عندما كانوا صغارا والأطباق موضوعة للأكل؛ فيأكلون ما يشاؤون ولم يكن للتصوير هذا القدر من الأهمية؛ فالصور كانت تلتقط بعفوية، وبشعر منكوش آخر النهار، وكحل سائل يصل إلى منتصف الخدّ! رفعت رأسها للأعلى، فرأت ابنتها تحدّق في الصورة: في العيد؟! نعم.. وضحكت عند رؤية صورة أمّها وهي فتاة صغيرة تطلّ برأسها من خلف والدها: هذه أنتِ يا أمّي؟ - ربما! - بل أنتِ؟ فأخذت الهاتف؛ واتّجهت إلى والدها وأشقّائها؛ لتريهم صورة والدتها في يوم العيد عندما كانت صغيرة، وكيف أنّ الكحل السائح نزل إلى نصف خدّها؛ فقال زوجها مازحا: مثل هذه الصور يجب أن ترافق مراسم الرؤية الشرعية؛ لأنّها تظهر الحقيقة! ضحكوا من تعليق الأب؛ ثمّ أعادت ابنتها الهاتف إليها، وفتحت رسالة أرسلتها منظمة الحفل لها مع صورة وجه باكٍ: أم عزان.. هل أحضرتِ الملاعق البلاستيكية المطلية باللّون الذهبي؟

تعليق عبر الفيس بوك