أعيادنا بين كورونا وأصالة الموروث

د. رضية بنت سليمان الحبسية

للعيد بهجة، بخصوصية المناسبة ذاتها؛ لارتباطها بغِبْطَة الزيارات وأُنْس التجمعات. إلّا أنّ نُزُول ضيف طال نُزُله، أفسد على الناس جمال الشَّعَائِر، ولهفة اللقاءات، وسحر المَوْرُوثات.

إنّه فيروس كورونا الذي جعل من الإجراءات الاحترازية عبئًا مضاعفًا على الكبار قبل الصغار، قيودًا ملازمة للأصحاء قبل المرضى. فإلى متى ستبقى أيها الزائر، وبأي حال أقبلت ياعيد؟ وكما قال المتنبي:  في أبيات قصيدته المشهورة "قصيدة العيد" التي نظمها المتنبي حين تهيأ للهرب من مصر؛ بسبب الاضطهاد الذي كان يُعانيه من كافور الأخشيدي والي مصر آنذاك. وتزامن هذا الهرب مع ليلة عيد الأضحى المبارك، وقد كان مهمومًا تحفّه الأحزان والمعاناة. قائلًا: "عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بمَا مَضَى، أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ"؛ إذ يخاطب المتنبي العيد متسائلًا عن الحالة التي عاد فيها، إنْ كان هذا العيد قد جاء بأمر مجدد مختلف، أم أنه جاء بالهموم والمتاعب التي اعتاد عليها المتنبي فيما مضى.

وهو حال أعيادنا لأربعة منها متتالية ضَيْم كوفيد المستجد، الذي جاء بأحزان وقلق، لم يعتاد عليها جيل اليوم وما سبق.  فما بين فقد حبيب أو صديق، ومخاوف غزو فيروس مُرتقب. ومع هذا الحال، وتعاقب الأوضاع، تتشكل قيمًا جديدة، ويسْتَحْدثُ فكرًا دخيلًا، ليُغَيّر معالم عادات وموروثات اجتماعية، منبت الهوية وقيم الانتماء، ظلت راسخة في ظل التغيرات التي طالت أنماط الحياة المختلفة؛  كحصاد غُرس غرسه باني عمان الحديثة السلطان قابوس بن سعيد– طيّب الله ثراه، بفضل سياسته الحكيمة في الحفاظ على تاريخ ومورثات البلاد جيلًا بعد جيل؛ لتكون قاعدة راسخة نحو التقدم والرقي، دون فقدان للهوية العمانية، بما يميزها من عادات وتقاليد، والتي تُعَدُّ الوعاء الذي يستمد المجتمع منه قيمه الأصيلة. 

إنّ الانعكاسات القهرية لجائحة فيروس كورونا، والتي من المتوقع أنْ تُحِدْثُ تغييرًا في ممارسات العُمانيين بأعيادهم، هناك من المخاوف ما تبددها، واستغناء الناس عنها تعودًا واعتيادًا. فما بين تجمعات وزيارات عائلية ورسمية، وأطفال يجوبون الحارات فرحة بالعيدية، وأهازيج وأناشيد شعبية، ومأكولات تتفرد بها الأسرة العُمانية، وعادة الاحتفالات الجماعية، تناقلتها الأجيال قناعة واعتقادًا، إلى أيام كباقي أيام التوقف عن صخب الحياة، والركون إلى الراحة بعد العناء؛ ليفقد الناس تباشير قُدوم أيام السَعْد، وعبق عادات العيد، وتبادل الهدايا والأُعْطِيَات.

الخلاصة.. لكل مجتمع من الموروثات ما يميزّه عن غيره من المجتمعات، وتسعى الدول للإبقاء عليها برغم ما يجوب العالم من صراعات، أو حدوث كوارث أو أزمات.  كما إنّ معالجة التحديات ولملمة الجراحات ليس أمرًا هيّنًا. وتجميع شتات ما بعثرته الأحداث والتقلبات لن يكون يسيرًا. وبالمقابل فإنّ الاستسلام للنائبات والعقبات، وضعف التأقلم مع الوقائع والمستجدات، يُخَلّدُ آثارًا أشدّ قسوة على الروح قبل الجسد، والعمق في الروابط قبل المجاملات. لتُخَلِّف في سماء حياتنا معالم مغايرة لعوالمنا، وشعارات مع الأيام سَتُثْقِل كواهلنا. حينها ستتسابق أجيال المستقبل؛ لإحياء ما دُفِن، وسيجتهد المخططون لإعادة ما طُمِس. ولكن هيهات الزمان يعود، بما كان عليه الأوائل.

وأخيراً.. فإنّ التمسك بتراثيات ضاربة في أعماقنا، تمثل رؤية لدويلات تاهت في فضاء العولمة. لذا فإنّ الإلتزام بما وَرّثَهُ لنا الأجداد ميزة تتفاخر بها الأمم، وتتباهى بها الدول، بما تسجله من تراث مادي أو غير مادي، ارتبطت به الشُّعوب أزمنة وقرونًا.     

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة