مئوية الحزب الشيوعي الصيني

علي الرئيسي **

** باحث في الاقتصاد وقضايا التنمية

"دع مائة زهرة تتفتح ومائة مدرسة فكرية تتبارى" ماو تسي ونغ

-------

في الأول من يوليو، احتفل الحزب الشيوعي الصيني بمرور مائة عامٍ على تأسيسه، وقد أمضى 70 عامًا في حكم الصين. معظم المراقبين وبالذات في الغرب الذين كانوا يمنون أنفسهم بقرب زوال حكم الحزب كانوا على خطأ. ورغم الأخطاء التي يزعم أن الحزب اقترفها إلا أنه أصبح يُشكل تحديا اقتصاديا وعسكريا للولايات المتحدة والغرب.

خلال 100 عامٍ من مسيرة الحزب الشيوعي، فقد وحد وقاد الشعب الصيني، وتعتبر فترة قيادته هي الفترة الأكثر إنجازا في تاريخ الصين الحديث. وقد أعلن الرئيس زاي جيان بينج عن احتفالات الحزب بهذه المناسبة في خطاب مؤكدا على الدور المحوري للحزب في تحقيق التنمية في الصين. حققت الصين تحت قيادة الحزب الشيوعي إنجازات لا يمكن إنكارها، حيث تحولت الصين من أكثر البلدان فقرا (حيث كانت قوى الإنتاج متخلفة نسبيا) إلى بلد ذي مستوى دخل متوسط، وثاني اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة.

لقد نجح الحزب الشيوعي الصيني في تعبئة الموارد بكفاءة عالية، واستطاع من إنتاج السلع العامة على مستوى واسع والتي ساعدت في قيادة النمو. ولا سيما أن الحزب استثمر بشكل واسع في الصحة العامة والتعليم بداية من الخمسينات من القرن الماضي. ونتيجة لهذه الاستثمارات، فإن الصين كانت من ضمن أفضل الدول التي حققت تحسن في متوسط عمر الأفراد وذلك من 30-40 سنة في عام 1949 إلى 77.3 في الوقت الحاضر. نسب الالتحاق بالمدارس ارتفع بشكل مُذهل وذلك من 20% في عام 1949 إلى المستوى العالمي في الابتدائية، ومن 6% الى 88% في الثانوية. معرفة القراءة والكتابة ارتفعت من 20% في عام 1949 إلى 97% في الوقت الحالي.

وفي فترة بعد إصلاحات عام 1978، قامت الدولة بالاستثمار في المواصلات والطاقة المتجددة. ففي الفترة من 1988 الى 2019 ازدادت مسافة الطرق السريعة بستة أضعاف، حاليا تتجاوز مسافة الطرق السريعة في الصين مثيلاتها في الولايات المتحدة.

لقد تمكنت الصين من بناء 50 محطةً من الجيل الثالث من محطات الطاقة النووية. وتقوم بتطوير من 6-8 مفاعلات نووية سنويا. إضافة إلى الاستثمار في الرياح، الهيدرو، والطاقة الشمسية، التي ستبلغ نسبة استهلاكها إلى 25% من إجمالي الطاقة بحلول عام 2030.

إن القدرة على تعبئة الموارد واستثمارها في السلع العامة على هذا المستوى يعكس أحد أهم مصادر قوة الحزب الشيوعي، فلديه (الحزب) القدرة السياسية على الدفع بالسياسات الاقتصادية لتحقيق أهداف النمو والتنمية، وبالذات عندما لا يكون الاستثمار الخاص هو الخيار الأمثل.

لذلك الصحة العامة، التعليم، الطاقة المتجددة، والبنية التحتية ساهمت بشكل كبيرا في النمو الاقتصادي، وأفرزت قيمة اجتماعية. ولكن الناس الذين يستفيدون عادة من هذه السياسات حسب نانسي كوين (مسؤولة مختبر الصين في جامعة نورث ويسترن الأمريكية) ليس نفس الأشخاص الذين دفعوا الثمن. وبما أن الناس المتعلمون والأكثر صحة هم الأكثر إنتاجية، ولكن آباءهم قد لا يكونوا من استفاد من هذه الاستثمارات. فمثلا الطاقة البديلة تستفيد منها الأجيال القادمة، ولكنها تؤثر على الاقتصادات المحلية التي تعتمد على الفحم. الطرق السريعة تستفيد منها التجمعات السكانية الحديثة، ولكن الفلاحون فقدوا أراضيهم ومعيشتهم لهذه الطرق.

وكل التجارب الإنسانية تخضع للنقد. فالبعض على سبيل المثال يرى أن ما سمي "بقفزة كبيرة إلى الأمام" وذلك عندما أُجبر الفلاحين للدخول في التعاونيات دون تعويضات، وإلغاء الملكية الخاصة. إن هذه السياسات أدت إلى تشوه الحوافز، وذلك أدى إلى تراجع الإنتاج. ونتيجة لذلك حدثت مجاعة أدت إلى موت 22 مليونا إلى 45 مليونا شخصا في خلال سنتين فقط، ودخل الاقتصاد الصيني في مرحلة ركود.

إن سياسة الصين بالنسبة لتقنين النمو السكاني من وجهة نظر أخرى أدت إلى تراجع في عدد السكان. إن عدد سكان الصين في عام 1949 كان 540 مليون شخص، ولكن نتيجة لسياسة الحزب الشيوعي فقد ارتفع عدد السكان إلى 840 مليون شخص في عام 1970.

لكن نظرًا إلى المجاعة التي عمت الصين اتخذ الحزب سياسة تقنين الانجاب، حيث بدأت سياسة الطفل الواحد وذلك من 1979 إلى 2016. استمر عدد السكان في النمو وبلغ 1.4 مليار شخص. ولكن سياسة الطفل الواحد أدت إلى شيخوخة المجتمع، وإلى زيادة في نسب الذكور مقارنة بالإناث، كما باتت تهدد الصين بنقص في القوى العاملة.

كتب "لي يان" في نيويورك تايمز عن عودة الماوية بقوة في الصين، فأكثر الكتب قراءة من قبل الشباب هذه الأيام هي كتب الزعيم ماو تسي تونغ. ففي الصين الحديثة (من المفارقات الطريفة أن أنجح دولة رأسمالية يقودها حزب شيوعي)؛ حيث يصارع الناس الفوارق الاجتماعية، فإن كتابات الزعيم ماو تعطي شرعية لغضب العمال على الطبقة التجارية التي يصفونها بالاستغلال. إنهم يحلمون بالاقتداء بثورته للإطاحة بالطبقة الرأسمالية المسيطرة. إن عودة كتابات الزعيم ماو تضع الحزب الشيوعي وقيادته أمام معضلة حقيقية. إن الحزب وضع نفسه كمركز لكل جوانب الحياة في الصين، وكل الإنجازات تحسب لصالحه. غير أن حسب "لي يان" أن فرص الشباب في تحسن مستوى معيشتهم أخذت تتضاءل. وأن الحزب لا يجد أحدا لألقاء اللوم عليه لزيادة التفاوت الطبقي في المجتمع. إن الجيل الجديد فقد نفسه في مجتمع منقسم، لذلك لا يجدون عزاء سوى فيما عبر عنه الزعيم ماو حول حقيقة المجتمع الصيني بأنه في صراع مستمر بين المضطهدين والقوى المهيمنة.

مهم تكن التحليلات فأن الصين أصبحت قوة اقتصادية وتكنولوجية عظمى. ولا يستطيع أحد أن يقلل من قيمة الإنجازات التي حققها الشعب الصيني بقيادة الحزب الشيوعي. نحن بحاجة لدراسة هذه التجربة بعمق لنستفيد منها، وكيف يمكن للإرادة الحقيقية والتخطيط السليم أن تحقق المعجزات.