د. خالد بن حمد الغيلاني
@khaledAlgailani
حينما التقى العاهلان الكبيران سُّلطان عُمان وخادم الحرمين الشريفين؛ التقت سماحة الإسلام وسُّمو الأخلاق ونقاء النفوس وصفاء السرائر، التقى التاريخ حضارة ومجدا وشموخا، التقت المحبة بين الأشقاء مسيرا ومصيرا، التقت العروبة عزة ونسبًا وفخرا، التقت العراقة والأصالة، التقى زعيمان عظيمان من زعماء أمتنا فكان اللقاء عظيما جليلا مهيبا كما هما قائدان عظيمان مهيبان.
منذ تولي مولاي حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم والحقائق تتوالى، والخطى تسير بنا نحو ما يُحقق الآمال والطموحات، ويرتقي نحو رؤية عُمانية في الداخل والخارج لها أساسها المتين ومرتكزها الثابت، ودوافعها الواضحة ورؤاها المستقبلية الواثقة من تحقيق الأهداف وبلوغ الغايات.
إنَّ دعوة خادم الحرمين الشريفين لمولانا السُّلطان هيثم بن طارق المعظم، وتلبية جلالته لهذه الدعوة الكريمة المباركة؛ لتكون أول زيارة رسمية يقوم بها- حفظه الله ورعاه- منذ توليه الحكم وبداية نهضة عُمانية متجددة؛ جاءت لتبعث للجميع رسائل ودلالات واضحة لا يُمكن أن تخفى على ذي لب وبصيرة؛ فأول الدلالات دلالة سياسية ذلك أن الدولتين لهما حضورهما السياسي على المستوى الإقليمي والدولي، ويمثلان قطبين رئيسين في الساحة الدولية من خلال مساهماتهما في العديد من الملفات الشائكة التي تتطلب معرفة ودراية ببواطن الأمور وقدرة على رأب الصدع، ومكانة مقدرة عند مختلف الأطراف، وتعاملا منطقيا وعادلا، ولا يخفى على أحد الدور السياسي للمملكة والسلطنة.
والدلالة ثقافية وحضارية؛ فالجوار وتقارب العادات والتقاليد والقيم العربية الإسلامية الأصيلة تجعل العلاقات بين المملكة والسلطنة أكثر حميمية وأكثر تقاربًا، وتجعل الشعبين الكريمين على صلة دائمة وتعاون مستمر، وتمكّن لأبناء البلدين الشقيقين من تفعيل هذا التواصل في خدمة العلاقات الثقافية والتاريخية والعلمية المختلفة التي تعزز من البحث العلمي وتعمل على تنامي اقتصاد المعرفة، وتحقيق الآمال والتطلعات في هذا الجانب الحيوي الذي يُعزز صناعة المستقبل ويسهم في الابتكار والمعرفة.
والدلالة اقتصادية؛ ذلك أن للمملكة مكانة واضحة في القاعدة الاقتصادية العالمية، ولها حضورها الفاعل في توجيه البوصلة الاقتصادية نحو مسارات تعزز النمو الاقتصادي وتسهم في تعزيز وتنويع مصادر الدخل، ومع وجود السلطنة وموقعها الجغرافي واتساع بحارها المنفتحة مباشرة على أسيا وأفريقيا، وما يمثله ميناء الدقم من أهمية استراتيجية، يدفع البلدان الشقيقان نحو بناء اقتصاد قوي متين، وتنفيذ شبكات نقل بري بينهما، ومن ثم مع العالم من خلال الموانئ العُمانية، ولكم أن تتخيلوا حجم الاستثمارات وعلاقات التبادل التجاري، وتعزيز وتطوير الموارد الاقتصادية والبشرية من خلال مشاريع تنموية بين البلدين، وهذه لعمري الرؤية التي أكد عليها مولانا جلالة السُّلطان المعظم في خطاباته، فغدت أكثر وضوحا، مبشرة بنهضة اقتصادية مع الشقيقة السعودية غير مسبوقة، تسير بالبلدين نحو اقتصاد قوي متين ثابت متماسك، وبالتالي رخاء وسعادة للشعبين الكريمين.
وهناك دلالة أخرى أن مجلس التعاون الخليجي يسير نحو مستقبل أكثر تماسكًا ورسوخًا، وأنه لا يمكن العودة لأيام القطيعة والجفاء، وأنه لا سبيل إلا لتعاون أكثر وتواصل أكبر، وتفعيل متسارع يحقق لأبناء الخليج طموحاتهم، ويثبت للعالم أجمع الوحدة الخليجية الراسخة ذلك؛ لأن المملكة والسلطنة لهما من الحضور والمكانة ما يمكنهما من غلق الباب تماما أمام أي خلاف يُراد به إضعاف مجلس التعاون، أو النيل من وحدة شعوبه الذين تجمعهم الروابط والوشائج الثابتة، ولا تنحل عندها عقد المحبة والألفة والتعاون والإخاء.
ورغم أن اللقاء من حيث عمره الزمني كان قصيرًا كعادة اللقاءات الرسمية والبروتوكولية، إلا أن ما تم من تفاهمات واتفاقيات وتصورات آنية ومستقبلية سيخلد هذا اللقاء أبد الدهر، وسيكون منطلقًا نحو غدٍ مشرق لأبناء عُمان والمملكة تتحقق من خلاله الكثير من الإنجازات وعلى مختلف المستويات وفي كل المجالات.
ولعله من المهم الإشادة بالدور الذي يقوم به سفير مولانا جلالة السُّلطان المعظم لدى المملكة، والذي رغم قصر المدة الزمنية لهذا التكليف السامي له إلا أنه أثبت حضورًا وإسهامًا كبيرًا في تعزيز العلاقات بين المملكة والسلطنة، وهذا هو الدور الذي ينبغي أن ينهض له سفراء السلطنة في الخارج؛ لتعزيز العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والاستثمارية والسياحية إضافة لدورهم السياسي المعهود.