إعادة الزخم للعلاقة التاريخية الوطيدة

عبد الله العليان

لا شك أنَّ الزيارة التاريخية التي قام بها جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- وفقه الله- إلى المملكة العربية السعودية الشقيقة، بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، تعد من الزيارات التاريخية المهمة، لهذا البلد العربي الكبير، وما يربط البلدين من وشائج عبر التاريخ، والتي بلا شك سيكون لها الأثر الإيجابي في المجالات الاقتصادية والاستراتيجية والسياحية للبلدين الشقيقين، وكذلك مردودها المهم على الشعبين واللذين تربطهما الكثير من الروابط، منذ قرون ولا تزال.

لذلك فإنَّ زيادة التعاون والتقارب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ستتيح للبلدين تعزيز الشراكة بينهما وتعززها أكثر في مجالات مختلفة، إلى جانب زيادة التكامل، وتنسيق المواقف بما يجعل المنطقة في استقرار، وإبعادها عن التوترات والاستقطابات الدولية بحكم أهميتها الاستراتيجية التي لا شك تعتبر من أهم المناطق من حيث الموقع الجغرافي، وكذلك الثروة الطبيعية واللوجستية التي تتمتع بها هذه المنطقة.

العلاقة الوطيدة بين السلطنة والمملكة العربية السعودية، لم تكن وليدة اليوم؛ بل إنها علاقة قديمة، لكن انطلاقتها الحديثة بدأت منذ الزيارة الأولى التي قام بها السُّلطان قابوس بن سعيد- تغمده الله بالرحمة والمغفرة- بعد توليه مقاليد الحكم في يوليو 1970، إلى المملكة العربية في ديسمبر 1971، والالتقاء بأخيه الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود -رحمه الله-. فقد نجحت هذه الزيارة في الاتفاق على إقامة العلاقات الدبلوماسية، وتم طي صفحة الماضي من خلال النهضة المباركة، والانفتاح على العالم. وأخذت مكانتها اللائقة بين دول العالم؛ وهو ما جعل البلدان يعززان التفاهم والروابط، بما يحقق لهما توثيق العلاقة أكثر في مجالات متعددة، خاصة وأن الصراع القائم بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي كان محتداً بقوة آنذاك، وقد كانت الحرب الباردة على أشدها في بداية السبعينات من القرن الماضي، وكانت الأطماع في المياه الدافئة محط هذا الصراع الدولي من القوى العظمى، خاصة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (سابقًا) وهذا ما جعل التعاون بينهما يتم تعزيزه لإبعاد شبح التوترات عن المنطقة.

ومع انسحاب بريطانيا من منطقة الخليج عام 1970، طرحت فكرة أمن الخليج، واستضافت السلطنة هذا اللقاء في مسقط في منتصف السبعينات، وكانت وجهات النظر بين السلطنة والمملكة العربية السعودية متوافقة على أمن الخليج، وأهمية إقامة رابطة تجمع بين دول المنطقة، وحاجة المنطقة المُلحة إلى إطار محدد من التوحد تحت أي تسمية، أو كنية لمواجهة التحديات التي تواجهها في تلك الفترة؛ حيث تتعاظم بتزايد حاجة العالم الصناعي للنفط، وأصبح الاندماج الخليجي هو العامل الحاسم نحو توجه جديد ورحب لصياغة سياسة اقتصادية وأمنية واجتماعية تبعد المنطقة عن التنافس الدولي، واحتواء ما يسمى بـ" فراغ القوة" الذي خلفه انسحاب بريطانيا من الخليج في بداية السبعينات.

وبعد الغزو السوفيتي لأفغانستان في أواخر السبعينات من القرن الماضي، جرى التفاهم حول آثار هذا الغزو على المنطقة، في ظل الحرب الباردة، وكان التشاور والتنسيق يدور حول إبعاد الخطر عن المنطقة، وقد سعى السُّلطان قابوس- رحمه الله- إلى التفاهم مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية، لإطلاق فكرة إقامة الترتيبات الأمنية والتعاون الإقليمي، وباتت تلك الرسالة بشأن أمن المنطقة أحد العناصر الرئيسية للسياسة العُمانية التي كان يقودها ويمثلها شخصيًا. وقد قال السُّلطان الراحل في بعض التصريحات: "نحن جميعاً نهتم باستقرار الأمن في المنطقة كسياسة عامة، ولا ريب إننا إذا حققنا الأمن في المنطقة، وتعاونا جميعا في هذا السبيل فإننا نكون بذلك قد أمنا أنفسنا ضد أي خطر خارجي، ولا ريب كذلك في الاتحاد قوة، وهو إذا ما أمكن تحقيقه فإنه سيكون الدرع الواقي للمنطقة".

وهذا ما نتج عنه لاحقًا تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لتكون منظمة إقليمية مهمة في المنطقة، وتحقق بعض مجالات التعاون، وإن كانت بزخم أقل، بسبب وجهات النظر، لكنها كانت صيغة إيجابية ظاهريًا، وكان ينبغي لها أن تحقق قفزات كبيرة على كل المستويات، وهذا ما يزال محط أمن لدول وشعوب المنطقة.

ولعل هذا اللقاء المهم بين جلالة السُّلطان وخادم الحرمين الشريفين، يفتح الباب لإبرام اتفاقات بين البلدين الشقيقين؛ لتشمل كل دول مجلس التعاون، وهذا بلا شك سيكون مردوده أكبر وأوسع، وهو من الأولويات التي وضعها النظام الأساسي لمجلس التعاون.

لا شك أن هذه الزيارة التاريخية لجلالته إلى المملكة العربية السعودية، سينتج عنها ما يُسعد الدولتين والشعبين، وهو ما عبر عنه صاحب السُّمو السيد فيصل بن تركي آل سعيد سفير السلطنة لدى المملكة، بقوله إن "هذا اللقاء سيكون نقلة نوعية في العديد من الجوانب، وتعزيز التعاون والشراكة في مختلف المجالات".

ختامًا.. هذا ما يتطلع إليه الشعبان الشقيقان لفتح آفاق التكامل الأكثر دافعية في تنمية هذه الشراكة من خلال مجلس التنسيق العُماني- السعودي المشترك.