عائشة السريحية
حدثنا شاهد عيان فقال: إنه بعد استقرار الأحوال، وما آل إليه المآل، وتراجع المصائب والأهوال، خرج كورو ابن كوفي، بعد ضيق الحال، وقلة السؤال؛ فهو صغير لا يلقى له بال، وحين بلغ التسعة عشر، وأضاع الهوية والمستقر، والشهرة التي ليس منها مفر، فكر وقدَّر، ثم سدد وقرر، بأن يكون له صولات وجولات، وكر وفر.
فهو ابن سارس المبجل، وبالفتك قد تكحل، فأرخى ثوبه وسربل، وجره بخيلاء، لا فرق عنده بين صبح أو مساء، ومد أذرعه في الهواء، وضحك ضحكة استهزاء، حين عزم الرحيل، وإخوته يعانون الأسر ويصدحون بالعويل، يثنونه عما قد عزم، تجره أمه من يده، يابني أن انتبه، فالناس يعدون العدة، بين مدة ومدة، فخذهم باللين لا بالشدة، فاخضر وجهه وأرعد، وأقسم لهم وتوعد، أن يعيد تاريخ جده القديم، ويعبر سور الصين العظيم، فلا أدري هل اعتلى ظهر خفاش، أو زحف بين الخشاش، فكان له من الأذرع عددًا، ومن الجند مددًا، ومن الأهواء قددًا، فانتشر كالنار في الهشيم، وأمسى من يصارعه سقيمٌ، ومن يتحداه عقيم، وبخبثه اللئيم، استعمر الهواء، وتسلل لأنوف الرجال والنساء، وبين ليلة وضحاها، كان خبره قد انتشر، واجتمع على ذكره البشر، وأمست المعارك حامية، والرعب في كل زاوية، ما ترك قاحلة ولا جابية.
وحين شاع الخبر في الأمصار، أن كورو استعمر الديار، أعلن القوم النفير، وخرج الغفير، يبحثون عن حلول، فنادى أقلهم حيلة، أيا قوم إنها المؤامرة، وماهي إلا كذبة عابرة، فعليكم بالتين والزيتون، والبرتقال والليمون، وبالإثمد كحلوا العيون، وقال قائل: الحبة السوداء، دواء لكل داء، جرعة في الصباح وأخرى في المساء، وقال ثالث: يا قوم يا كرام البسوا الكمّام، وشمّروا الأكْمام، ودرهم وقاية خيرٌ من الوقوع في الأسقام، وعززوا بآخر، فقال بتفاخر: أوقفوا الأبيضين، فقد خلقنا من طين، فلسنا نحتاج لسكر وملح فلسنا عجين، وعززوا المناعة، فهذه أمراض الساعة، ولا تأخذن الأمر باستعجال، فالانتصار ليس بمحال.
ودخل شهبندر الدواء الجهبذ، وتحدث بصيغة المنقذ، فهو للشائعات عدو عتيد، وللمنطق حليف عضيد، فقال: ما لهذا الأرعن الصغير، قد أزبد وأرعد، وهدد وتوعد، فتالله لأصنعن من جسده الميت رداءً، ولأكسينه للتعساء، فاليوم سأفتح معملي، وسأقيم فيه مصنعي، فلقد أسرت منه ثلة، وسأكشف من سره جله، وأسقيه لكل صاحب علة.
وحين استفحل الأمر، واحتار في أمره الرعية وولاة الأمر، تنقّب الجميع بالكمّام، وأهدروا الصابون والتعقيم، وتشققت الأكف بعد النعيم، فأغلقت الأجواء والمطارات، ومُنع السفر وخفت الانتقالات، واعتكف الناس على الجوالات، وخسر كثير من الناس معاشهم، فقد أغلقت معظم الأيام محالهم، وبات السوق خالٍ من الباعة، وتكدست على الأرفف البضاعة، وضاق الحال بعد انفراجه، وما استقام الأمر ولا آن انبعاجه.
فتوالت الأبحاث والدراسات، والناس بين من قاوم ومات، وملئت الأسرّة في المستشفيات، وأغلق القوم على أنفسهم كالحمام في الثكنات، وبين حظر وحجر، وتسجيل وحصر، ضاقت الأرض على الناس بما رحبت، وأيقنوا أن النهاية قد قربت، وساعة الرحيل قد أزفت، فإذا بالخبر يشق الأرض شقًا، ويفتق الأسماع فتقًا، ويظهر الأمل على استحياء، فقيل إن اللقاح قد جاء، فانفرجت الأسارير، وخفتت المعاذير، وحين وصل الخبر لكورو ابن كوفي، ما نام ليله، ولا انخفض ذيله، فأعلن في القوم أن الوحدة الوحدة، لكل فيروس نحتاجه في الشدة، فالمعركة أصبحت محتدة، فدمج بين كل اثنين فأصبحوا ستة، وما زالت الحرب بين القومين مشتدة!!