زيارة مرتقبة لجلالة السُّلطان إلى السعودية

صالح بن أحمد البادي

 

صدر لى مقال منذ أسبوعين عنونته "منطقة الخليج وتحالفاتها الاقتصاديه"، ونُظر هذا المقال بشكل مركز لتموضع منطقة الخليج للعشرين سنة المقبلة في تقديري استنادا لمعطيات عالمية وإقليمية محددة. وأوضحت الأهمية الاستراتيجيه للتحول، وصناعة القفزات الحرة الفاعلة المركزة والذكية لاقتصاديات الخليج داخل منطقة الخليج وخارجها؛ لتحقيق مكانة أكبر لاقتصاد الخليج، وأشمل تاثيرًا وتفاعلًا ومكانة دوليا، والخروج من اقتصاد البتروخليج إلى اقتصاد متنوع ومستدام وفاعل.

ويأتي مقال اليوم مركزا أكثر في شأن العلاقات العُمانية السعودية، فالزيارة المرتقبة لمولاي حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- إلى المملكة العربية السعودية الشقيقة، تنطوي على ثقل دبلوماسي وتميز خاص في العلاقات الثنائية، فهذا التمازج والمحبة بين أكبر دولتين في المنطقة، هو امتداد مستمر ومستمد من تاريخ حافل من العلاقات الطيبة والجيرة الجامعة الشاملة والتعاون البناء. وتفاعل نشط لقيادات الدولتين وحكوماتهم، والمبنى على تفاعل الشعوب إيجابا ومحبة وسلاما.

إننا نمضى لحقبة متجددة تُعزز الاقتصاد والشراكات المبنية على تاريخ حافل من البناء، ليس أوله بلا شك ولكن أهمه ما صنعته أيادى بيضاء بكل فكر سامى، وتعاون مميز وهو مجلس التعاون الخليجي الذى تأسس بحكمه القيادتين الكريمتين تكاملا مع دول مجلس التعاون الست للحفاظ على بناء الآباء والأجداد والاستمرار في التكامل المبني على كل خير.

إنها لحظة تاريخية بعلاقات البلدين وهي كذلك لحظة تاريخية كونها أول دولة يشرفها جلالة السُّلطان هيثم بالزيارة الأولى منذ تولي جلالته مقاليد الحكم في البلاد، وقيادة نهضة عُمان المتجددة. وتأخذ زخمها لتعدد الملفات الاستراتيجية بالمنطقة التي ستكون حاضرة النقاش؛ لأن التوقعات بملفات اقتصادية متجددة واستراتيجية مشتركة بين البلدين ستتشكل عبر توقيع اتفاقيات استراتيجية، وتفاهمات بين زعيمين كبيرين بالمنطقة يجددين قفزات الخليج باتجاه الغد الأكثر إشراقا للمنطقة وشعوبها.

ولأن مقالاتي تأخذ الجانب الاقتصادي فإن نظرة فاحصة لأوجه التكامل بين البلدين هامة جدا؛ ولأن الاقتصاد ملف ضخم فإن التركيز على ست مشاركات ومصالح مشتركه للعشرين سنة القادمة ستجعل التكامل أكثر فاعلية ونجاحا. فالشعوب تتغير تطلعاتها الكبرى كل 30- 40 سنة.

ومرحلة التوسع الكبرى في التكامل الاقتصادي والاستثماري والاستراتيجي، ورفع حجم التبادل والاستثمارات بين البلدين وقته الآن، وهو أهم ملف في شأن العلاقات البينية الاقتصادية. وإذا أخذنا الاتحاد الأوروبي كمثال فإن تحالفه الاقتصادي تحول لمراحل متقدمة جدًا عند إنشاءه؛ لأن تبادله التجاري بين دولة وصل لحدود 60-80%، وتلك مرحلة مهمة تتحقق معها تحالفات اقتصادية استراتيجية طبيعية، ولذلك فإنه من منظور اقتصادي فإن هذا الهدف يجب أن يكون أحد معايير الأداء التي يتفق على تحقيقها خلال العشرين سنة القادمة. وهي أساس لتعاون أشمل وأكبر يؤدي لتحقيق تماما اقتصاد حقيقي شامل وعادل، يحقق مصالح الدولتين. وفيما لو اعتبرنا أننا في العام 2040، فإننا سنجد أنفسنا أننا شكلنا اتحادا اقتصاديا وافر المصالح وعالي الموشرات، ووفق منهاج صحيح للتكامل تدفع إليه قيادات حكيمة بالبلدين، ومؤشرات اقتصادية صحية وصحيحة تحققت، تتوافق مع مؤشرات الاتحاد الأوروبي الذي كان بناء رصين في الأثر البيني، والأثر الاقتصادي العالمي.

لقد تفاهمت الدولتان على معظم الملفات الأخرى، ويعظمها الثراء السياسى وقدرات عالية على التفاعل مع ملفات المنطقة. والدولتان عازمتان على التفاعل النشط في الجانب الاقتصادي والاستثماري بالمراحل القادمة في قراءات للمشهد الحالي؛ فاختيار شخصية عُمانية فذه تلتقي في انتمائها للأسرة الحاكمة العُمانية من جهة وثراؤها الاقتصادي الاستثماري من جهة أخرى؛ وهي شخصية صاحب السمو السيد فيصل بن تركي آل سعيد سفير السلطنة لدى المملكة العربية السعودية دليل على أن الملفات الاقتصادية ستكون حاضرة بقوة. هذه الشخصية وتفاعلها ومشاركاتها أضحت واضحة في سبيل تحقيق مصالح استراتيجية ضمن أهداف الدولتين ورؤيتهما "عُمان 2040" و"المملكة 2030".

إن رؤية "عُمان 2040" ذات أهداف عالية جدًا، وأرقام مضاعفة خلال عشرين عاما، ولذلك فان الشراكة مع الاقتصاديات الكبرى أمرا عالي الأهمية بعدالته الاستثمارية وتعاقدات وصيته. والاقتصاد السعودي هو أحد هذه الاقتصاديات الكبرى التي يعول عليها في نمو وازدهار المنطقة. بلا شك أن السلطنة مرفأ محبب للاستثمارات الكبرى وترحب بالاقتصاديات الكبرى بكل ود وترحاب، وبتفاعل وتوازن يُحقق مصالح حقيقيه لسنوات طويلة.

والمواقع الجغرافية مهمة للدول على مدار الأزمان والأمكنة، وتاريخيا كانت المدن المتواجدة على ممرات تجارية تنمو وتزدهر وتحقق موارد مميزة. إن أكثر من 3100 كم من السواحل الممتدة على ثلاثة أبحر الخليج العربى وبحر العرب والمحيط الهندى وتلك هبة ربانية عاليه المصالح للمنطقه. لقد استطاعت عُمان وخلال ٢٥ سنة الماضية من بناء محطات كبرى على هذه المكانة الاستراتيجية كموانئ وطرق عالمية البناء والمواصفات ومطارات، وهنا فإن رفع تشغيل هذه الأصول اللوجستية أمرا غالي الأهمية. وتُعد منطقة الدقم والتي هي أكثر من 4 أضعاف مساحة ميناء صحار وصلالة مجتمعين، مرفأ مهمًا للاستثمارات القادمة وهي تقع بموقع جغرافي فريد وترتبط بخطوط لوجستية مع طريق الحرير الذي يُشكل عصب اللوجستيات متدنية التكلفه بالعالم. إن بناء محطات لوجستية كبرى على ضفاف هذه الأبحر اداخل منطقة مميزه يغذي الخليج بكل المواد، ويمكن من بناء اقتصاديات لوجستية داخل السلطنة، وصناعة موانئ برية ضخمة من القيمة المضافة، وهي من أسباب نجاح كوريا الجنوبية والصين وسنغافورة خلال آخر عشرين سنة. فتموضعك اللوجستي هو مستقبلك الاقتصادي.

والتكامل بالصناعات البترولية والتعدينية ملف بالغ الأهمية؛ حيث إن المملكة الشقيقة لديها تاريخ حافل من النمو في الشراكات البتروكيماوية، ورغم أن صناعات الشق السفلي في أوله محدود الربحية مثل المصافي، إلا أن الامتداد للشق السفلي في الصناعات متعددة المراحل التصنيعية مفيد جدا، ورغم أن سعر النفط الحالي لا يشجع على البيع الخام، فإنه قد يكون للدورات الاقتصادية والتصنيعية والاستثمارية قولا آخر، فإن الشراكات ستكون عالية المصالح بتعاقدات تعاون عادلة تحقق تطلعات البلدين، وأن التعدين قطاع هام في دولنا من حيث الاستفادة منه، لذلك فإن مستقبل هذه الصناعات عالي الأهمية كقيم مضافة، وكتسويق عالمي يدعمه قوة الإحجام والانتشار والتسويق والتنافسية من خلال رفع الإحجام لرفع تنافسية الأسعار وغير ذلك من المصالح الاستراتيجية.