يسكُنني شيطان

 

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

"ما يُزرع داخل نفوسنا ينبُت على ملامحنا" الروائية البريطانية جين أوستن.

****

توارتْ في دواخلنا بقعٌ دَهماء، هل هي حصاد زرع الأمس أمْ هي غِراس يدي؟ تمتدُّ سبَّابتي لتغلق دفة مُوارَبة، لا يجب أن ينظر الغرباء إلى مجاهيل الظلمة هنا، في قعر روحي، سأفرد كساء الصمت الأبيض، وأُطلقه للسماء ليحتمِي بزُرقتها عن غَيَاهِبَ دامسة.

قُلت له: أكره عقارب الساعة.

قال: لِمَ؟.

أجبته: لأنها فجَّة لا تخفي ضجيجها، والوقت ينسابُ بين أناملي، بخِفَّة لص يُلهيك بتمطِّيه وتسلُّله دون أن تشعر، فيُجثم فوقي، إلى أن ينتهي بي الأمر بأن أكون لِصَّةَ نفسي.

رفع رأسه، وقال: أرى بُومة فوق رأسك.

حملقتُ بمُقدمة حذائي، وقلت: أما زالت ترقُد فوق رأسي؟ لا يغرُّك هدوؤها، فوداعتها مسمومة، لا تفتأ تنفث بلطافةٍ قاتلة، تقول إني موهومة.

ابتسمَ، وقال: لعلها جبرٌ لخاطر لا يُجبر.

ابتسمتُ بنزق، وقلتُ له: عجبًا، أتشرع الكسر، وبعثرة بعض أوصالي المفتقة؟ أشعر بأصابع تمتد وتعبث وتتسلل بفسق، تجبر، تنخر، تفجر، ألا ترى الشر ينضح من مُقَلِها؟ يجب عليَّ أن أقتلع عينيها وأغلق باب الشر المستطر.

تَمْتَم بعبارات مُبهمة، ثم قال: انظُري إلى المرآة هناك.

حدَّقتُ في المرآة مليًّا، وانفرطتْ ابتسامةُ تهكُّم، وقلت له: أغوص في مرآتي ولا أراني في المُقل، طوقني الزجاج، وأراك تُحدِّق بي على عجل، هشِّمها واسحقها، تاْءٌ تُثني وتُكسر منذ الأزل.

تنهَّد، وقال: حديثٌ ينمُّ عن مرارة، تمام كقهوتك كل صباح.

تعالتْ قهقهة ساخِرَة، وقلتْ له: حقًّا إنَّ قهوتي مُرة ورشفة واحدة لا تكفي، أتعلم أنِّي آخذ منها قطرة، وأرسم ثغرك وعينيك وملامحك هنا بكفِّي، لعل سحقك، وتمزيقك، وتشويهك كل صباح يمحو بعضًا من مرارة تسكُن ثغري. نعَم أمقُتك وأكرهُك، وأُجبر أن أجترع قهوتي ومرارتها أُخفِي.

نَفث أنفاسه بقلةِ حيلةٍ، وقال: هل حام فوق رأسك دخان أسود اليوم؟

قُلتُ بشرود مُتعب: لعلي مُتعبة، فأحياناً اُنفث حقداً وأملأ به أحداقي الكسيرة، والتي تحرسها ألفُ غابةٍ سوداء مطيرة، هل لي بشوكةٍ حادة رقيقة وخطيرة؟ إنَّ اللهب الحالك يقذِف أرواحاً غدت أسيرة.

زمَّ شفتيه بسخط، ثم قال بحنق: تبًّا لك ولإبهامك المُحترق.

أطرقتُ أفكِّر، ثم قلتُ له بسخط مماثل: بل تبَّت يدا أبي لهب، تبًّا وتَب، زرع وغرس وجنى ما حصد، أصابعه امتدَّت تعبث بذواتنا، أخذت منِّا والكل معه أخذ، نعم سيربُو وينبت ما تزرع وليس كل من جدَّ وَجَد.

شَجَّت زجاجةُ عطرٍ أسيلَ المرآة، وهتفت في وجهها المشروخ بشماتة: "تستحق ما أصابك، يكفيك عبثًا، فأنا بشرية يحق لي أن أمقت وأكره وأحقد، أشتم أسب وأكيل لك اللعن، ولا يحق لي أن أمزَّق وأُهشَّم وأُبَعثر، كان يتوجَّب عليك التوقف أيُّها المَارقَ العنيد.

((ماذا إذا تحدث إليك نصفك الخفي؟))

انتهى،،،