هل شَرِبْتَ الحليبَ فنسيتَهُ؟!

وليد بن سيف الزيدي

سؤال "هل شَرِبْتَ الحليب فنسيتَهُ؟!" ليس القصد منه هنا التأكد من أنك قد شربت الحليب أم لا قبل خروجك من البيت مثلًا، فهذا ليس مُهمًا، وإنما القصد منه أعمق من ذلك بكثير، فمثلًا: هل أصبح الطفل شابًا في يوم وليلة؟! وهل أصبح الطالب مُهندسًا في يوم وليلة؟! وهل أصبح المُعلم مديرًا في يوم وليلة؟! وهل أصبح صاحب مهارة ما متمكنًا منها في يوم وليلة؟!

أتوقع أن الإجابة متفق عليها سلفًا لدى الجميع. إذن لا يمكن أن يتحقق ما تمت الإشارة إليه في يوم وليلة. فلقد شَرِبْنا جميعًا كميات كبيرة من ذلك الحليب والذي يقصد به هنا تلك الجهود والأموال والأوقات التي بذلت في سبيل إيصالنا إلى ما نحن عليه اليوم كلٌ حسب موقعه، فالوزير في وزارته والطبيب في المستشفى والأستاذ في الجامعة والعسكري في الميدان، وعلى مختلف المستويات العلمية والمهنية والاجتماعية، وخلال فترات زمنية طويلة، ومن خلال جهات عديدة تمثلت في الأفراد والمؤسسات والتي بَذلت الغالي والرخيص بداية من الأسرة ثم المدرسة والمسجد والجامعة والمجتمع والوطن والجار والصديق والزميل والكبير والصغير والرجل والمرأة والمواطن والمقيم.

نعم. بقدر ما شَرِبْنا من ذلك الحليب خلال تلك المراحل الزمنية المختلفة والطويلة التي مضت من عمر الإنسان، وصلنا إلى هذه المرحلة التي أصبحنا من خلالها قادرين على أن نكون في موقع العطاء ورد الجميل لكل أولئك الأفراد والمؤسسات والمجتمعات. وليس شرطًا يا أخي العزيز أن يكون رد الجميل ماديًا، فيمكن أن يكون معنويًا أيضًا كالاعتراف بالفضل لصاحب الفضل والدعاء له في السر والعلن فإنِّه أكثر عمقًا وأثرًا.

فإذا كنت ممن شَرِبَ الحليب فنسيَهُ أو تناساه، فلتراجع نفسك مع نفسك من أجل نفسك أيها الحبيب. ثم ليكن دورك القادم أينما كان موقعك هو رد الجميل للسابقين من القريبين والبعيدين منك، ثم إعطاء الحليب لللاحقين بكل عزيمة وإخلاص وإتقان؛ حتى تدرك سعادة العطاء ورد الجميل في الحياة الدنيا ثم تنال الثواب العظيم عند رب كريم يوم العرض العظيم.

تعليق عبر الفيس بوك