بأي ذنب قتلتِ يا عايدة؟!

عائشة السريحية

لعل هذا الاسم "عايدة الحمودي السعيدو" أصبح مألوفًا ورائجًا خلال الأيام الماضية عبر مُختلف المواقع الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي، فالقضية مُتشابهة والعناوين يتفاوت توزيعها في عدة أقطار، والحكاية تتكرر مشاهدها باختلاف الاسم والعمر والسبب واحد "جريمة الشرف".

يتناسى المجتمع أمام هذا المسمى الإنسانية والرحمة، وبسبب تراكمات العادات المغلوطة عن ماهية الضحية والجاني أو تجاهل الظروف المحيطة بالضحية، وحق الإنسان في الحياة ومشروعية الخطأ والتوبة، ومنح فرصة جديدة والتعلم من الخطأ، تتحمل هذه الضحية تبعات عادات جاهلية قضى عليها الإسلام، فما الفرق بين وأدها رضيعة أو قتلها فتاة مُراهقة أو امرأة بلغت السن القانوني؟

حين أتحدث كامرأة عن مصير أولئك الفتيات اللاتي لا جريمة لهن سوى وقوعهن في علاقة عابرة، أو ارتكاب خطيئة، أو قصة حب يرفضها المجتمع، فإني لا أدافع عن الحدث بعينه ولكني أشير بأصبع الاتهام لأولئك الذين يقررون خارج إطار القوانين والتشريعات أمر القتل وإنهاء حياة إنسان بحُجة الشرف.

ماذا لو كانت إحدى الضحايا ضحية ابتزاز وتحرش؟ ماذا لو كانت ضحية تعنيف وأذى نفسي وجسدي فوقعت في براثن صائد مُفترس يستغل ظروف ضحاياه بداعي الحب والعطف فيصبح مبتزًا عاطفيًا لها؟ ماذا لو وقعت تحت جريمة اغتصاب فآثرت الصمت وحين ترغم على الزواج تهرب منه خشية كشف المستور فتُقتل؟ ماذا لو أخطأت ووقعت في الحب والغرام؟

ماذا لو؟ وماذا لو؟ وماذا لو؟

بأي ذنب وئدت؟

المجتمعات التقليدية تحمّل الفتاة مسؤولية الشرف ولكن حين تقع ضحية لهذه المسؤولية يترك الجاني ويعاقب المجني عليه.

هناك أصوات تصرخ من الألم النفسي لكن صراخها مكتوم خشية من العواقب حتى وإن كفل حقها القانون.. عايدة ليست إلا حالة من بين مئات؛ بل آلاف الحالات في مختلف أقطار وطننا العربي، عايدة وُثِّقت جريمة قتلها بزهو وتفاخر أمام عدسات الكاميرا وكأن جمعهم أمام فتاة تنتفض خوفًا ورعبًا، أمر يسطره التاريخ وتزهو به الأمم!! رعشة يديها ورفرفة قدميها النحيلتين لم تحرك فيهم ساكنًا، ولم تحرك مشاعرهم الإنسانية أمام فوهات البنادق التي سلطت عليها. فكم عايدة أخرى قتلت بصمت؟ وكم عايدة وئدت وأغلق ملفها وصار طي الكتمان والتعتيم؟ وكم عايدة ما زالت تنتظر الحكم الجائر بالقتل لمجرد أنها- كما- يُقال أخلّت بمعاهدة حمل الشرف، وبدون قبول أي ظروف أو أعذار.. فيتم عليها الحكم ببساطة.. بالموت!

لكل إنسان عثرات وأخطاء، ومن حقه أن يحصل على فرصة أخرى، ومن حق الفتاة أن تتزوج بشخص توافق عليه لا أن تُجر إليه جر البهيمة، ومن حق الفتاة أن يدافع عنها المجتمع حين تسقط كضحية، لا أن تُشحذ السيوف والسكاكين، ولا يتحدث سوى ذلك القبر المفتوح ليستقبل جثتها الهامدة وتصلب على جدرانه جملة "غُسل العار".