حفل جماعي صاخب لـ"كورونا"

مسعود الحمداني

Samawawat2004@live.com

 

(1)

اشتعلت الأرض بالمرض، ولم يفد معه إغلاق ولا حظر، ولم تنفع معه قرارات اللجنة العُليا، ولا احتراز الأفراد، وخرج الأمر عن السيطرة، وستستمر هذه الموجات المتتالية التي تضرب البشر، وتهلك الزرع والنسل، لأن هناك جهود جبارة- على الورق فقط- بينما لا تُطبق على أرض الواقع، جهود إعلامية نسمعها ونشاهدها، ولكن الواقع قد يبدو مختلفًا، ليس لتقصير- أحيانا- في جهود اللجنة، ولا لاستهتارٍ مُتعمدٍ من المواطن، ولا لتقصيرٍ من الكوادر الصحية، ولكن ..لأننا قوم لم يتعلموا طوال خمسين عامًا مبدأ تعتدل به الحياة يسمى "النظام والالتزام".

(2)

ففي أول طرحٍ- للقاحات مثلاً- كانت هناك فئات مُستهدفة بالتلقيح، ولأن فلانًا يعرف فلانًا، والشخص الفلاني لديه سكك ومسالك، فتم تجاوز الفئات إلى فئات كان يُمكن تأجيل تلقيحها، ولكن هذا ما حدث، وأعطي الأشخاص غير المُحتاجين على حساب الفئات المستهدفة والمحتاجة، والحالات تزداد، دون تدخل جاد من الجهات المعنية، ورغم أنَّ وزارة الصحة حاولت جاهدة تنظيم عملية أخذ اللقاح بشتى الطرق، إلا أن الخروقات استمرت؛ لأن الالتزام الاحترافي لم يكن في نفس المستوى من البعض، ومن هنا تبدأ الفوضى، وتتقدم حالات على حساب الحالات الطارئة.

(3)

مرة أخرى.. وهذا حدث أمام عيني في مجمّع السلطان قابوس، حين بدأ فتح مجال التلقيح لفئات الموظفين، اختلط هناك الحابل بالنابل، والمصاب بغير المصاب، والموظف بغير الموظف، والشاب الثلاثيني بالرجل الخمسيني والستيني، وعدم امتثال لا مثيل له، ولا تحدث إلا في دولة لم تعلم عن النظام والتنظيم شيئًا، وهذا الأمر لم يكن استثناءً، ففي أماكن كثيرة تكرر نفس المشهد، ومن ذلك "الحفل الجماعي لكورونا" خرج عشرات بل مئات مصابين، أولئك الذين كانوا يبحثون عن اللقاح، فخرجوا ينشرون الوباء بين أهليهم، وأسرهم، وبين أفراد المجتمع؛ لأنهم كانوا يعتقدون أنهم "تحصّنوا" وأصبحوا آمنين مُطمئنين على أنفسهم، وعلى غيرهم، وهم لا يعرفون أنَّهم أخذوا اللقاح وأصيبوا بالفيروس جرّاء ضعف التنظيم الذي صاحب عملية التلقيح.

(4)

الغريب أنَّ بعض المستشفيات الخاصة "الكبرى" في السلطنة، والتي يلجأ إليها النَّاس لإجراء الفحص لمعرفة إصابتهم بالفيروس من عدمه، لديها نظام لا مبالٍ أبدًا بمصلحة المواطن والمُقيم، فحين تقوم بإجراء الفحص وسط إجراءات وقائية ضعيفة، ينتظر "المفحوص" من المستشفى في اليوم التالي إرسال النتيجة برسالة نصية على الأقل، ولكن هذا الأمر لا يحدث عادةً، فيضطر للذهاب لمعرفة النتيجة، فيُبلّغ بكل بساطة بأن النتيجة "إيجابية"، إذن لماذا لم يقم المستشفى بالاتصال أو إرسال رسالة نصية على الأقل ليبدأ في الإجراءات الاحترازية؟ فلا يجد المصاب جوابًا من موظفة تتحدث كأنها كمبيوتر لا علاقة لها بالأمر شيئًا، تطلب منه "الحجر" بعد أن تخرب مالطا، دون أن يكون لدى المستشفى "نظام تعقّب" ما بعد اكتشاف الإصابة، ودون أن يكون لديه أي إجراء آخر، وقد يُواصل المصاب حياته الطبيعية- إذا كانت الأعراض بسيطة- خارج وداخل البيت؛ لأن ليس لديه رادع لا أخلاقي ولا قانوني يتابع حالته، وأظن أنَّ على وزارة الصحة تشديد إجراءاتها ومراقبتها لمثل هذه المجمعات والمستشفيات الخاصة، التي لا هَمّ لها سوى زيادة دخلها فقط، ولو كان ذلك على حساب الوضع الصحي الحكومي بسبب عدم تكاتف وتعاون الجميع.

(5)

وتأتي اللجنة العُليا وتصدر أوامرها بالإغلاق، وهو أمر لم يُغيّر من الواقع الكثير، وتتضرر مصالح المواطن ومعيشته، ويظل الوضع على ما هو عليه؛ بل ويزداد الوضع الاقتصادي والاجتماعي سوءًا، وتظل دائرة الموت تكبر وتكبر، وتزداد الإصابات يوميًا بشكل كارثيّ، وكل ذلك يعني أن هناك خللًا معينًا يجب متابعته، ومراجعته، والقضاء عليه، قبل أن يقضي علينا، أمر يسمّى "النظام والتنظيم والالتزام"، أمر تتقيّد به: الحكومة والمجتمع كلاهما.

والأمر لله من قبل ومن بعد.