قراءة في كتاب "التأثير السيبراني: كيف يغير الإنترنت سلوك البشر؟" (5- 5)

عبيدلي العبيدلي

 

تُؤكد آيكن في أكثر من موقع في كتابها، على أنَّ ما نشاهده، أو حتى مجرد أن نقرأه على المواقع المشهورة في الشبكة العنكبوتية العالمية، والتي لا نكف عن التردد عليها، لا يمت للعفوية بشيء. فقبل أن يأخذ طريقه للنشر، لابُد وأن تكون أهدافه قد تم تحديدها بعناية فائقة، لا يتجاوز عددها سوى عدد الفئة العمرية أو المستوى الاجتماعي الذي تخاطبه تلك المادة. يتم ذلك بعد أن تخفى معالم تلك الأهداف عن الضحية التي تخاطبها.

مثالًا حيًا تقدمه آيكن للدلالة على أن هناك سياسة مدروسة، لكنها مخفية، تعمل وفق قوانينها الشركات التي نجحت في خلق مجتمعات سيبرانية ضخمة تحت مبررات واهية لا تصمد أمام أي اختبار.

على سبيل المثال، كما تورد آيكن في كتابها، هناك حظر مكتوب، تدعي شركة (فيس بوك "Facebook") أنها تلزم نفسها به، يقوم على قاعدة تمنع الأطفال دون سن 13 عامًا من فتح حساب في ذلك المجتمع. ومع ذلك فإننا نجد، كما تقول الكاتبة أن هناك بين 23% و34% من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن هذا العمر لديهم حسابات على "فيس بوك".

وعندما سئل مسؤول في الشركة عن سبب عدم تطبيق الشركة لقواعدها الخاصة التي تدعي أنها تلتزم بها "هزَّ كتفيه، قائلا: ليست لدينا آلية للقضاء على المشكلة".

ترفع آيكن هنا بطاقة حمراء في وجه تلك الشركة، محذرة من أنه كيف تدعي شركة ذات موارد تكنولوجية ومالية بحجم ما هو تحت تصرف شركة فيسبوك أنها عاجزة عن إيجاد حل لمثل هذه المشكلة.

وتصر آيكن على أن منطق الشركة غير مقبول، ومن ثم لابد أن يكون السبب الحقيقي هو أن إبقاء المستخدمين دون السن القانونية خارج نطاق أولويات الشركة. ويمكن الإضافة هنا أنه ربما يكون التحاق تلك النسبة من الأطفال بمجتمع فيسبوك، يعود إلى رغبة الشركة في تحقيق ذلك من جانب، وحرصها على عدم تراجع التعداد السكاني لذلك المجتمع من جانب آخر.

وفي سياق تسليطها الضوء على الجانب المظلم من الإنترنت تشير ماري آيكن إلى ما يعرف بالويب المظلم (Dark Web)، وهو ذلك الجزء من الإنترنت الذي لا يمكن الوصول إليه بواسطة محركات البحث التقليدية. ولكن الأمر يتطلب برامج أو إذنًا محددًا للوصول إليه. ومن خلال الويب المظلم، يمكن لشبكات الحاسوب الخاصة التواصل وإجراء الأعمال التجارية بشكل مجهول دون الكشف عن معلومات التعريف، مثل موقع المستخدم. 

وتشكل شبكة الويب المظلمة جزءًا صغيرًا من الويب العميق (Deep Web)، وهو جزء من الويب غير المفهرس بواسطة محركات بحث الويب. وهناك خطأ شائع في استخدام كلا التعبيرين بشكل متبادل عن طريق الخطأ.

والعامل المشترك بين الويب المظلم والويب العميق هو أنهما مخفيان عن محركات البحث التجارية. إذ لا يمكنك الوصول إلى أي منها من خلال Google أو Bing. الويب العميق هو مصطلح عام وشامل لا يشمل فقط الويب المظلم، ولكنه يتضمن أيضًا الكثير من "المحتوى العادي".

وتعتبر شبكة «تور» TOR الشبكة الأكثر شعبية على شبكة الويب المظلم وهي عبارة عن شبكة مجهولة لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال متصفح ويب خاص يسمى تور. وقد تم تطوير هذه الشبكة في الأصل من قبل مختبر أبحاث البحرية الأميركية وكان هدفها الرئيسي حماية الاتصالات الحكومية.

أنهتْ المؤلفة كتابها القيم في مسرد هجائي ضم شرحًا للمفردات التي تراوحت بين تلك الدارجة المستخدمة على نطاق واسع، وتلك التي نحتتها المؤلفة وتحتاج إلى شرح مُفصل من قبلها.

فهناك مصطلح "الإدمانaddiction: " وشرحه كما ورد في النسخة العربية "خضوع، أو احتياج قسري، يعتمد فيها المرء على استعمال مادة معينة (هيروين، نيكوتين، كافايين، كحول، أو غيرها) تمتاز بأعراض عدم القدرة على التحمل من غير تعاطيها، أو نكوص وحالة هستيرية".  

لكن يجد القارئ أيضًا مختصرات مثل "اضطراب قصور الانتباه/ زيادة النشاط الحركي attention deficit.. hyperactivity disorder:  (ADD- ADHD). ومعناها حالة تحصل في مرحلة الطفولة تتميز بتشتت الانتباه، وزيادة النشاط الحركي، والاندفاع القسري.

كلمة نهائية تختم بها ماري آيكن هذا الكتاب الموسوعي تقول فيها: "ماذا يحصل لو القينا المزيد من المسؤولية على شركات التكنولوجيا لتطوير منتجات آمنة تحترم خصوصية الناس؟ لكننا حين نوافق على استعمال برمجيات جديدة نعفي الشركة من أي مسؤولية. لماذا نفعل ذلك؟ في صناعات أخرى، وفي العالم الواقعي، الشركات تتحمل المسؤولية إذا أدت منتجاتها إلى ضرر أو أذى للناس أو البيئة. في الصناعة أنت تسمع مصطلحGMP  الذي يعني «تجربة تصنيع جيدة». كيف ستبدو «التجربة جيدة» في الفضاء السيبراني؟ إذا كانت كلمة «خضراء» تعني أفضل تجربة فيما يتعلق بالبيئة- الديمومة، كفاءة الطاقة ونظافتها، إذن تخيل أي كلمة أو شعار للتجربة الآمنة في الفضاء السيبراني. الناس في صناعة التكنولوجيا مقتدرون، عباقرة، مبدعون، ويستجيبون للمتغيرات. شركات التواصل الاجتماعي ربطت العالم بطريقة مبتكرة جديدة، لكن ذلك تترتب عليه مسؤوليات هائلة".

ثم تضيف آيكن قائلة "أعتقد أن الأمر يتطلب تشجيعهم على العمل أكثر. هناك وعود كثيرة وطرق للتحسين والتقدم. إلا أن العملية ينبغي أن تبدأ في وقتٍ عاجل".

في هذه الفقرة المكثفة تبلغ آيكن فكرتها الأصيلة بشأن التكنولوجيا. وقد أشارت لتلك الفكرة في فقرة سابقة حين نجدها تصر بوضوح وفي أكثر من موقع في الكتاب على أن "التكنولوجيا ليست مسألة جيدة أو رديئة في ذاتها. إنها شيء محايد بكل بساطة- هذا يعني أنَّ البشر يمكنهم استخدامها بطرق جيدة أو سيئة. هذا مفهوم أساسي في عملي. وهو لا يختلف عن نظرتنا إلى اختراع السيارة وقيادة من يشرب الخمر. أي إساءة استخدام التكنولوجيا".