د. خالد بن حمد بن سالم الغيلاني
تويتر: @khaledalgailani
يتردد البيت الشعري: إذا لم يسقها سائق من ضميرها وإلا فأعيت سائقًا بعد سائق
وعادة ما يُذكر هذا البيت في حق من يعلم الأمر وحقيقته، وصوابه من خطئه ثم يصر على السير في مسار لا تحمد عواقبه ولا تؤمن أضراره.
نسير نحو إتمام العام الثاني من جائحة كورونا التي تتزايد أضرارها يومًا يعد يوم، ويضيق خناقها على النَّاس بين فترة وأخرى، ومنذ بدايتها وفي أشهرها الأولى اتِّفق أهل العلم والاختصاص في أرجاء المعمورة على أنَّ ممارسة بعض العادات الصحية والالتزام بها والمداومة عليها سبيل للوقاية والحفظ من هذا الوباء وهي إجراءات بسيطة معلومة واضحة لدى الجميع يأتي في مُقدمتها (لبس الكمامة) واجتناب الاختلاط وترك مسافة الأمان اللازمة عند ضرورة الاتصال المُباشر بالآخرين.
ثم مضت الجائحة في ارتفاع وانخفاض، ومنحنى ضررها بين شد وجذب، وكعادة الفيروسات تُحاول الحفاظ على نشاطها واستمرارها من خلال تحورها وإعادة تشكلها إذا وجدت لذلك سبيلاً من انتشارها بين الناس، مستفيدة من عدم إدراك الكثيرين لخطورة المسألة وضرر التجاوز.
ومع اجتهاد العلماء الأفذاذ، وبتوفيق من المولى جلّ وعلا توصّل أهل البحث إلى العديد من اللقاحات التي أثبتت نجاعتها وفاعليتها ومأمونيتها، فأسرع العالم في شرقه وغربه لإنتاجها وإيصالها للجميع في سعي دولي غير مسبوق، وعمل علمي منهجي غير متوقع أو مألوف، وكل ذلك بفضل الله تعالى على عباده في مشارق الأرض ومغاربها. ومع زيادة اللقاحات وانتشارها، وتوسع قاعدة الحاصلين عليها والمستفيدين منها، زاد الوباء ضراوة وشراسة، وللأسف الشديد زاد النَّاس استهتارا وتجاوزا للواجب الذي لابد من اتباعه في مثل هذا الحال.
وظهرت الشائعات المغرضة بعدم مأمونية اللقاح، وانتشرت فكرة المُؤامرة التي وجدت رواجًا بين الناس حتى الذين يعّول عليهم حث المجتمع على الإقبال على اللقاح والنصح والإرشاد بأخذه، ولو سلمنا جدلاً بأنَّ هناك مؤامرة؛ أولسنا مؤمنين بالقضاء والقدر أوليس هذا ركن من أركان الإيمان في ديننا، وقاعدة ضرورية في اكتمال عقيدتنا وصحة مُعاملاتنا الدينية والدنيوية، أو ليس الموت حقاً لازماً والأعمار آجال محددة ثابتة.
ومع هذه الحقائق فديننا ورسولنا المصطفى أمرنا بالأخذ بالأسباب والوقاية واجتناب مواطن المرض ومواقع انتشاره، ومن ثم التوكل على الله سبحانه وتعالى حق التوكل وصدق اليقين.
إنَّ الوضع الذي تمر به بلادنا الغالية العزيزة من حيث انتشار الوباء وكثرة الوفيات وتعدد الإصابات والضغط الشديد على القطاع الطبي الذي يبذل كل ما في وسعه ويصل ليله بنهاره، ولهم من الله تبارك وتعالى الأجر والمثوبة والحفظ، ولهم منِّا الشكر والثناء والتقدير والدعاء الصادق، فهم جنود الوطن وعدته وعتاده للتصدي لهذا الوباء.
حقيقة الأمر أننا لسنا في محل توجيه اللوم أو الإساءة لأي جهة أو مؤسسة أو فرد لأنَّ الحقيقة الثابتة أن الجميع يبذل ما في وسعه، ويجتهد قدر إمكاناته، ولا أحد يرغب في النقص أو الإخفاق، والحقيقة الأخرى التي هي أكثر وضوحًا أننا أمام واقع مؤلم لابد فيه من التكاتف والتعاون فالحل سهل متاح إلا أنه بحاجة لصدق العزائم، وثبات القرارات، وإظهار المواطنة الحقة، والولاء التام، والانتماء الحقيقي لهذا الوطن.
وأقولها صادقًا مخلصًا أنه علينا السعي لأخذ اللقاح وحث الآخرين عليه والأخذ بالأسباب، كما أؤكد أنَّ من يحث الناس على عدم أخذ اللقاح وينشر مبدأ المؤامرة ويثير الفزع ويرعب الآخرين فهذا ليس من الوطن في شيء وليس من المحبة لأهله في شيء.
ومن يُخالف التعليمات ويسعى للتجمعات في المزارع والحدائق وخلف الأبواب الموصدة وغيرها فهذا عاق لوطنه، مسيء لمجتمعه، ساع للإفساد في الأرض، ومن يكثر من زيارة المجمعات والأسواق دون سبب أو حاجة أو ضرورة فهذا ضار بأهله وأبناء وطنه، ومن يسيء لبس (الكمامة) ولا يأخذ بأسباب الوقاية فهذا يدفع بنفسه وأهله نحو الهلاك.
فالله الله في أنفسكم وأهليكم ووطنكم، والله الله في الأخذ بالأسباب واتقاء مواطن الهلاك، والله الله في الالتزام بالواجب والعمل بنصيحة أهل الاختصاص والله الله في البعد عن الإشاعات وتجنب نشرها وتداولها، والله الله في أخذ اللقاح والالتزام بضوابط ذلك.
ولنعلم أنَّه لا سبيل للخلاص بعد التوكل على الله سبحانه وتعالى إلا بالأخذ بالأسباب والضرب على أيدي المُخالفين، ولا تكونوا كالقوم الذين استهموا على السفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فأراد من في أسفل السفينة خرقها بقصد الحصول على الماء. فإن فعلوا غرق الجميع وإن ضرب القوم على أيدي بعضهم البعض نجا الجميع، ولا تجاملوا في سبيل وطنكم، ودفع البلاء عن أهلكم، ويكفي ما لحق البلاد والعباد من ضرر.
فاللهم أحفظ عُمان عزيزة مُصانة وأحفظ سلطاننا وشعبها وأبعد عنهم كل سوء ومكروه وارفع بقدرتك عن العالم أجمع هذا البلاء والوباء.