نظام التحكيم.. لغة المستقبل

ظافر بن عبدالله الحارثي

dhafiralharthi@gmail.com

التحكيم وسيلة من وسائل فض النزاع التي تسير بجانب قضاء الدولة الذي يتمثل في محاكمها المختلفة، وبالرغم من أن تشكل المحاكم الطريقة الطبيعية لفض النزاع، إلا أنها لم تستأثر بذلك لوحدها، بل سمحت لنظام التحكيم أن يقوم بهذا الدور كذلك لاعتبارات كثيرة أهمها تخفيف العبء على محاكم الدولة.

ومن التوجهات الإستراتيجية التي نصت عليها وثيقة رؤية "عُمان 2040"، إيجاد منظومة تشريعية تشاركية، ونظام قضائي متخصص وناجز، فإذا ما وجدت منظومة تشريعية قوية سوف تكون هذه المنظومة حينها رافدة للمنظومة العدلية والقضائية بصورة متطورة ومرنة توطن أفضل الممارسات في مجال التحكيم والقضاء؛ إذ إن من خلال الرؤية الطموحة نستنتج بأن السلطنة  تريد أن تجعل الدولة من أفضل الدول الممارسة  للقانون والقضاء،  بل وأن تجعلها مركزًا عالميًا للوسائل البديلة للقضاء.

إن من أهم مزايا هذا النظام هي السرعة، المرونة، وحرية الاختيار، إذ إن للخصوم  مساحة  كبيرة في رسم إجراءات التحكيم وتحديدها، فضلًا عن اتسام هذا النظام  بالخصوصية التي تفتقدها المحاكم  بحكم مبدأ علنية الجلسات؛ كما أن لتحكيم ثلاث مراحل أو إجراءات ألخصها في أولاً: اتفاق التحكيم وهو العقد الذي يبرم بين طرفين يفيد بأنه في حال وجود نزاع بينهما فإنهما سوف يلجآن إلى التحكيم، هذا العقد يتخذ ثلاث صور تتمثل في صورة شرط التحكيم وهو الذي يتم قبل حدوث النزاع، ثم مشارطة التحكيم وهو الاتفاق الذي يتم بعد حدوث النزاع، وأخيرًا صورة التحكيم بالإحالة؛ أما ثانيًا: فهي مرحلة خصومة التحكيم، وهي مجموعة  من الإجراءات المتتابعة التي تبدأ من طلب التحكيم وتنتهي بصدور حكم، أما المرحلة الثالثة: فهي تتمثل في إصدار الحكم  والإجراءات التي قد تتخذ بعد صدور حكم التحكيم.

للقضاء رديف هام يتمثل في التوفيق والمصالحة، ونظام الصلح، ونظام الخبرة وجميع هذه الأنظمة يقتصر دورها في مساهمة الوسيلتين المقررتين لفض النزاع (القضاء والتحكيم)، أو تساهم في إيجاد الحل بالتراضي قبل الانتقال للتقاضي، وهذا يجعلنا نستنتج جذرية الاختلاف بين التحكيم وهذه الأنظمة، ووقوع البعض في الخطأ عندما يقولون بأن هذه الأنظمة لا تختلف عن نظام التحكيم؛ ونظرًا للاكتظاظ الذي نلاحظه في المحاكم والتأخير الذي يحصل نظرًا لكثافة القضايا كان لابد من تناول هذا الموضوع؛ بحثًا عن حلول لتفعيل الوسيلة الأخرى لفض النزاعات، وتكييفها حتى تلائم إرادة المتقاضين.

اختياري لتناول هذا الموضوع على وجه التحديد سببه هو وجود نظام من شأنه تسهيل وتسريع عملية التقاضي بين الأطراف المتنازعة يتمثل في التحكيم، إلا أنه غير فعال وليس دارجًا وممارساً على الأقل بالمستوى العادي المتوسط، كما أنه من خلال البحوث العلمية والسعي يتبين أن كافة الحلول واقعية وفي استطاعة الدولة والأفراد، إذ إنه ليس علينا إلا التحرك قبل أن نقع في المشكلة والتي حينها قد تكون تتمثل في زيادة عدد المتقاضين في محاكم الدولة، بحيث تُعيق تأخير الفصل في النزاعات على أساس هذه الكثافة، بل يمكننا تفعيل التحكيم بنظام التدرج بحيث يتم إدخال بعض التعديلات فيه كل فترة زمنية؛ بهدف مواكبتها وتناسبها مع المصلحة العامة للأفراد من ناحية، والمساهمة في إرساء أسس العدالة من ناحية أخرى.

 

تعليق عبر الفيس بوك