◄ لا بديل عن تكاتف الجهود للانتصار على "كورونا"
◄ علينا أن نسابق الزمن لتطعيم أكبر عدد ممكن من الأفراد باللقاح
◄ الإغلاق الشامل على بُعد خطوة ما لم نلتزم بالإجراءات ونتوسع في التطعيم
حاتم الطائي
القول إننا في حرب ضروس أمام عدو لا نراه بأعيننا؛ بل نتألم لسقوط ضحاياه واحدًا تلو الآخر، قول لا ينطوي على مُبالغة، ولا وصف نتلاعب فيه بالألفاظ، فالوضع الراهن في ظل تفشي وباء كورونا، يُظهر أننا نخوض حربًا حقيقية على الأرض، الجميع خاسر، باستثناء الفيروس وهو مُؤكد لا يعنيه الانتصار في شيء!!
لكن في المُقابل النصر المُظفّر لنا على هذا الوحش الكوروني، هو انتصار للحياة؛ فالاستسلام لم يكن يومًا من طباعنا، ونحن خُلقنا في هذه الحياة الدنيا كيّ نُعمرّها ونُكافح من أجل استمراريتها، لا لأن نيأس في مواجهة الأخطار، وأن نتقهقر ونتراجع للوراء. ولذلك وفي أوقات الحروب، تُكرِّس الدول كل مقدراتها من أجل إحراز النصر، تتكاتف الجهود على جبهة المعارك، وهذه الجبهة لم تعُد الآن تشمل المستشفيات والمُؤسسات الصحية وحسب؛ بل كل منزل ومكان عمل، فكُل شبر في أرض الوطن بات جبهة للمعارك الشرسة أمام الفيروس التاجي "كورونا".
وتكريس الجهود يعني أيضًا تكاتفها وتلاحمها وتضافرها، ولكي نخوض المعركة وأعيننا على النصر، لابُد من خطة واضحة المعالم، حتى لا نُحارب طواحين الهواء، فتنهك قوانا وتخفت عزيمتنا، وهذه الخطة ركنها الأساسي يتمثل في تسريع وتيرة التطعيم، فنحن في سباق مع الفيروس، فمن جهة يتفشى "كورونا" بسرعة مُخيفة وهائلة، في ظل ظهور سلالات مُتحورة جديدة (ألفا- بيتا- دلتا- ثم دلتا بلس)، وفي الجهة المُقابلة علينا أن نسارع الزمن من أجل تطعيم أكبر عددٍ ممكن من الأشخاص، كل ذلك بالتوازي مع استمرار تطبيق الإجراءات الاحترازية والأخذ بأسباب الحيطة، حتى لمن تلقوا اللقاح.
استراتيجيتنا يجب أن تمضي في محورين رئيسيين: أولًا: استمرار الإجراءات الاحترازية الصارمة والمشددة؛ الإغلاق نموذجًا، وثانيًا: إتاحة اللقاح لكل فئات المُجتمع المتاح لها التطعيم من الناحية الطبية. ونحن ومنذ عودة الإغلاق الجزئي (المسائي) مستمرون في تنفيذ الإجراءات الصارمة، لكن ربما يستدعي الأمر مزيدًا من التشديد والصرامة إذا ما ثبُت أنَّ الإغلاق المسائي لم يحقق النتائج المرجوة، وعلينا أن نستعد لإغلاق شامل، ويجب أن يظل هذا الخيار مطروحًا في أيِّ لحظة، ولا يجب أن ننتظر فترة أسبوعين أو أكثر كي نتحقق من النتائج؛ بل علينا استقراؤها بوتيرة أسرع، وهذا جانب نتركه للجهات الفنية المتخصصة في الترصد الوبائي. نعم ندركُ جيدًا أنَّ الإغلاقات تُحدث تداعيات اقتصادية عميقة الأثر وشديدة الوطأة، لكن هل هناك أشد وطأة من خسارة الأهل والأحباب؟ لقد قال بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني في بداية الجائحة العام الماضي "استعدوا لفقد أحبائكم"، وظنَّ البعض أنَّه يُبالغ، لكن كعادة الإنجليز، هم يُخبرون المريض بكل صراحة وواقعية أنَّه سيموت في غضون أيام، على عكسنا نحن العرب، عادة ما نضع التفاؤل أولاً قبل الواقعية، ويبدو أننا في وضع كورونا نتعامل بالواقعية أكثر من التفاؤل القائم على الأماني. لايجب أن يرغب شخص في المجتمع أن يفقد أحباءه أو يخسر صديقاً أو أماً أو أختاً أو أباً أو أيًّا كان، فالروح غالية. والأمر لا يتوقف- وحسب- عند فقدان الأحباب، فهناك فقدان من نوع آخر، إنها الضغوط الهائلة على القطاع الصحي؛ فالمستشفيات تمتلئ بمرضى كورونا، ولم تعد الأسرّة كافية لاستيعاب المصابين، وبات الجميع في حالة من التوجس نتيجة لحالة الإنهاك التي تتعرَّض لها المنظومة الصحية في بلادنا.
السباق نحو تطعيم الفئات المستهدفة جزء من الحرب الضروس التي نخوضها ضد "كورونا"، وهذا يُحتّم على جميع مؤسسات الدولة أن توحِّد جهودها من أجل تنفيذ الحملة الوطنية للتحصين ضد كورونا، وعندما أقول المؤسسات فإنني أعني المؤسسات المدنية والعسكرية، وأخص بالذكر هنا شرطة عُمان السلطانية وقوات السلطان المسلحة، وكلي يقين تام بأنَّ هذه الجهات لا تتوانى مُطلقًا في خدمة الوطن في أيِّ ميدان كان، فهي الحصن الحصين لنا، والسياج المنيع من الأخطار، مهما كانت هذه الأخطار.
على المتطوعين كذلك أن يشاركوا بكامل طاقتهم، لا يجب أن يتوقف الأمر عند الكشافة والمرشدات، الذين نُثمّن جهودهم الملموسة والمُقدّرة؛ بل علينا أن نوسّع دائرة التطوع، ولذا نسأل: أين الفرق التطوعية في كل الولايات؟ لماذا لا نُقدم دورات تدريبية عاجلة في كيفية إعطاء اللقاح، على أن يُشارك في هذه الفرق طلاب معاهد التمريض في كل محافظة وأصحاب الخبرات في هذا المجال بما فيهم المتقاعدون من وزارة الصحة؟
ولا ينبغي أيضًا أن تتوقف الجهود على شراء اللقاح والحصول على التوريدات، لكن في الوقت نفسه توزيع اللقاح على المستهدفين، وهذا يستلزم إلغاء شرط الـ45 سنة، إلى جانب فتح المجال أمام كل راغب في الحصول على اللقاح، فالفيروس لن يفرق بين مُواطن وغير مُواطن، القادر على شراء اللقاح وغير القادر؛ إذ إنَّ الجميع مُستهدف، والمجتمع بأسره عرضة للإصابة حتى الذين أصيبوا من قبل. يجب أن يكون اللقاح متوافرًا للجميع، ومن شاء أن يدفع مُقابل اللقاح فليدفع، أو ليتبرع لصالح صندوق وزارة الصحة. فهناك الآلاف من العمال الوافدين الذين يعيشون بيننا ويدخلون بيوتنا ومقرات أعمالنا؛ سواء لتنفيذ عمليات صيانة أو تقديم خدمات، ووجود هؤلاء دون تطعيم يُعرض كل الجهود المبذولة لخطر التلاشي، "وكأنك يا أبو زيد ما غزيت!".
الحل في اللقاح، وإلا فالفيروس سيُواصل قتل وإصابة الآلاف، كل يوم، وعلينا أن نضع في عين الاعتبار الحقيقة العلمية بأنَّ الحاصل على اللقاح يحتاج إلى عدة أيام كي ينتج الجهاز المناعي للإنسان الأجسام المضادة، خاصة وأنَّ جرعة واحدة لا تكفي لتوفير حماية بدرجة عالية، بل إنَّ الحماية تصل لمستويات تفوق الـ90% بعد الحصول على الجرعة الثانية، مع استمرار الإجراءات الاحترازية بكل تأكيد، فالحصول على جرعتين أيضًا لا يعني أنَّ الوباء قد انتهى!
إننا أمام أسابيع صعبة جدًا، والأمر لم يعد بيد الحكومة لفرض الإغلاقات وحسب؛ بل أيضًا المُواطن والمُقيم- كل منهما- عليه دور واضح في هذه الحرب، ولا بديل عن التكامل والتكاتف وأن ندعم بعضنا البعض، علينا أن نظل صامدين خلال هذه الأسابيع، كي ننتصر على هذا الفيروس اللعين.
لم يعُد الأمرُ يتعلق الآن بإقناع النَّاس بالحصول على اللقاح أو تفنيد الشائعات المُضللة حوله، الأولوية الآن لتسريع جهود التطعيم، وأشير هنا في عُجالة إلى دراسة بريطانية أعدتها هيئة الصحة العامة في إنجلترا قبل أيام قليلة، تؤكد أنَّ جرعة واحدة من اللقاح تحمي من سلالة دلتا المتحورة بنسبة 30%، لكن مع الحصول على الجرعة الثانية ترتفع نسبة الحماية إلى 79%، والحماية المقصودة هنا الحماية من الإصابة، وبدرجة أكبر الحماية من دخول المستشفى، فبحسب الدراسة فإنَّ جرعة واحدة من اللقاح تحمي مصاب كورونا- حتى لو بسلالة متحورة مثل "دلتا" وهي الأشرس- من دخول المستشفى بنسبة تصل إلى 80%، وهذه أخبار سعيدة للغاية لكل من تلقى اللقاح، وبشرى سارة للقطاع الصحي الذي اعترف معالي الدكتور وزير الصحة أنه أصبح مُنهكًا جدًا!!
كل هذه الأخبار والدراسات مُشجعة على تلقي اللقاح، ففي الوقت الراهن ليس هدفنا الحماية من الإصابة، لكن في الأساس تجنب الحاجة لدخول مؤسسة صحية. ففي بريطانيا ورغم الزيادة في الإصابات، إلا أنَّ معدل دخول المستشفيات أقل بكثير جدًا عمّا كان في السابق؛ حيث إنَّ معظم البريطانيين حصلوا على اللقاح.
ومن هنا نُعيد التأكيد على ضرورة أن يحصل أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع على جرعة واحدة من اللقاح؛ لأنها تحُول- بدرجة كبيرة- دون دخول المريض المستشفى، وهنا مربط الفرس!
وختامًا.. إنَّ تحقيق النصر في حربنا ضد فيروس كورونا لم يعد مسؤولية وزير أو حكومة أو فرد؛ بل المسؤولية جماعية بامتياز، فنحن نمر بمرحلة خطيرة وصعبة للغاية، وعلى الجميع، كل فرد وكل أسرة، أن يتحلوا بالمسؤولية، وألّا نخرج أو نُسافر إلا للضرورة القصوى، والامتناع كذلك عن كل اللقاءات والاجتماعات، وأن نستعد للإغلاق الشامل إذا تطلب الأمر، مهما كلفنا ذلك؛ فالأرواح أغلى بكثير في هذا الوقت الحرج. نعم.. هناك من يُعارض الإغلاق الشامل؛ لأنه يضر بالأعمال والاقتصاد، لكن الإضرار بالصحة ووفاة العشرات يوميًا له تبعاته الاقتصادية والاجتماعية أيضًا، بدرجة أسوأ وأشد من الخسائر الاقتصادية، التي يمكن مُعالجتها بحزم تحفيز جديدة.