كيف تقضي على البطالة؟ (7)

 

يوسف عوض العازمي

alzm1969@

 

"لا يتعامل التخطيط طويل المدى مع القرارات المستقبلية؛ بل مع مستقبل القرارات الحالية" بيتر دراكر.

-------------

يعلم كل متابع لواقع البطالة ومعالجاتها بأن لها عدة أنواع؛ منها- على سبيل المثال لا الحصر- 1) البطالة الدورية، وهي نتيجة وقوع إنكماش أو مشكلة اقتصادية تؤدي إلى عدم توفر فرص العمل. 2) البطالة الاحتكاكية، وتلك نتيجة أن العاملين يتنقلون كثيرا بين المناطق على اختلافها وبين المهن أيضًا. و3) البطالة الهيكلية، وذلك عندما يحدث عدم توافق بين مؤهلات الناس وبين العمل المطلوب. 4) البطالة الاختيارية أو الإجبارية، أما البطالة الاختيارية فتحدث عندما يقوم العامل بتقديم الاستقالة وترك العمل دون إبداء أي أسباب، في حين أن البطالة الإجبارية تتحقق عندما يجبر صاحب العمل العامل الذي لديه على تقديم استقالته دون أن يكون قد صدر منه أي من الأخطاء التي تستدعي ذلك.

وهناك دول تفضل أن يعتمد الشاب على نفسه ببداية المشوار العملي كأن يؤسس مصلحة تجارية أو خدمية أو صناعية، وفي واقع الحال أرى أن هذا الحل لايصلح لكل طالب عمل جديد، صحيح ببعض الدول يعطى أفضلية في موضوع الضرائب كإعفاء مؤقت أو تسهيلات بنكية بدعم من الحكومة وغيرها من التيسيرات المؤقتة، لكنها لا تنجح واقعيًا مع الجميع، أشبهها بلعبة امسح واربح، غير معقول تحميل شاب يافع مسؤولية إدارة إدارية وإدارة مالية في وقت مبكر من عمره، والمشكلة الأكبر- وهي الأكثر شيوعًا- إذا لم يكن له ساند مالي يسنده بأي أزمة، هنا سيكون الوضع أمام مشروع مُتعثر، وتعال معي فكك الأمر إداريا وماليا ومستحقات عاملين وبنوك "ويا أرض احفظي ما عليكِ"!

هناك من يترك الشاب ليبحث عن عمل براتب يستره (أي راتب معيشة) حتى تتوازن أحواله ويجد العمل المناسب، لكن بهذا الوضع قد تواجه الدولة مشكلة كبيرة، ويجب الاعتماد على جميع التخصصات، وليس فقط تخصص واحد. وأكثر فرص العمل في مجالات القطاع الخاص المختلفة تحتاج عمالة وأيدي عاملة مهنية ومتخصصة، ولا تحتاج لحامل شهادة جامعية في الآداب والاجتماع والسياسة والاقتصاد، ليس تقليلاً من شأن هذه الشهادات، فكاتب هذه السطور يحمل شهادة جامعية في التاريخ والعلوم السياسية، لكن عندما أتحدث واقعيًا، أقول إنَّ سوق العمل يحتاج مهناً عملية أكثر بكثير من الوظائف النخبوية، هل تعلم أن الحداد أو فني الكهرباء أو فني السباكة الصحي أو مركب بلاط السيراميك قد يحصل على أجر يفوق أجر حامل الشهادة الجامعية وربما أكثر من ضعف أجر الجامعي؟

هناك من سيقول والله إنَّ أبناءنا لايسمح لهم الوضع الاجتماعي بهكذا أعمال، أقتنع بهذا القول، لكن هناك حلول أوخطط بديلة، وسأورد لك واحدًا منها: في بعض الدول (منها جمهورية مصر العربية) يضطلع الجيش بأعمال مدنية وخدمية كثيرة، كأعمال البناء الإنشائية والزراعة وأشغال الطرق وغير ذلك، وتكون الفائدة فائدتين؛ منها أنك فتحت باب عمل في السلك العسكري (سواء مجنّد أو متطوع)، وفي ذلك دعم للقوة البشرية بالقوات المسلحة، إضافة إلى أنك أنجزت أعمالاً مدنية مهمة ودربت الجنود الذين هم بالأساس مواطنو وأبناء البلد على عدة مهن ذات دخل مادي مُجزٍ ومعقول؛ يستفيدون منها حتى بعد انتهاء الخدمة، ويستفيد البلد من هذه اليد العاملة التي تغطي عملاً مطلوباً؛ كأعمال البناء من كهرباء وصحي وغيرها، والكثير يعلم أن العمل العسكري في مجالات متعددة لا حرج فيه للمواطن فهو ينضوي وفق النظرة والواجب العسكري، أي أنك بالنهاية تصيد عصفورين بحجر واحد.

لذلك من المهم أن تتوسع النظرة نحو الاهتمام بالتعليم والتدريب المهني فهو أحياناً أهم من تخصصات أخرى،فالزمن لا يتوقف عند فكرة واحدة، جدد الأفكار، ليكون للعصف الذهني وجود، لنتبادل الأفكار والرؤى لتحقيق وإنتاج حلول تحاول مواجهة ومحاربة البطالة، لا يمكن أن تضع خطوطا حمراء وتتلكأ وتقول هذا نستطيعه وذلك صعب، حاول وبادر والنتيجة الإيجابية استفد منها، والسلبية هي مدرسة تعلمت منها، لا خاسر في إدارة الحلول المخلصة الصادقة لمصلحة الوطن والمواطنين.