كيف تقضي على البطالة؟ (6)

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

"الابتكار اليوم ليس اختبارًا، بل ضرورة تمليها علينا سرعة التغيرات التي يمر بها العالم" محمد بن راشد آل مكتوم.

 

--------

قرار مُواجهة البطالة ليس اقتصاديًا فحسب؛ بل سياسيًا 100%، ويتفرع اقتصاديًا واجتماعيًا؛ حيث عندما تتحدث عن البطالة فأنت حتمًا تتحدث عن أعداد ليست قليلة من أسر تعاني هذه المشكلة المتعبة نفسيًا قبل أي شيء، تخيل في بيتك شاب حاصل على شهادة جامعية ولا يعمل منذ مدة، حتى لو كان لا يحمل أي مؤهل ولا يعمل، تصور ماذا سيكون وضعه في البيت؟ من أين يصرف على نفسه (على افتراض أنه أعزب)؟ وكيف سيتزوج؟ وإن كان متزوجاً كيف سيصرف على العائلة؟

باختصار الشخص العاطل عن العمل وبلا دخل مادي هو مشروع جريمة، ولذلك يفترض في أي دولة أن تحارب البطالة قدر ما تستطيع، وتضع قواعد ولوائح تؤمن دخلاً مادياً معقولاً لمن لم يجد عملاً، على الأقل مبلغ يكفي لمعيشة معقولة ويحميه من السؤال.

من المهم لأي حكومة أن تتعامل بجدية ومهنية مع ملف البطالة بأن تضع ما يشبه بنوك المعلومات، محمّلة بمعلومات محدثة يوميًا عن كل ما يخص العاطلين، ويسجل لديها كل عاطل (أي من لا يوجد لديه عمل يوفر دخلًا ماديًا) وما هي المعلومات الشخصية والمؤهلات والقدرات إن وجدت، ويتم تحليل وفرز هذه المعلومات إلى خانات مناسبة لكل فئة حتى يسهل التعامل معها، ويقوم مختصون متفرغون بالبحث عن الأعمال المناسبة لكل فئة.

وأيضًا تقوم فرق متخصصة ببحث أفضل السبل لتهيئة وابتكار أعمال تفتح فرص عمل، وتقلل من نسب البطالة قدر الإمكان، من ضمنها- على سبيل المثال لا الحصر- تشجيع ووضع بنود مناسبة لمن أمضى خدمة طويلة بالوظائف الحكومية على التقاعد، حتى يخرجوا من الخدمة وهم بلا تأثر مادي يُعسر تفاعلهم مع الحياة بعد التقاعد. فمن غير المعقول أن تطلب من موظف التقاعد وتخصم من راتبه مبلغًا وقدره!! لذا من المهم وضع حلول معقولة لهذه المعضلة التي يُعاني منها الكثير من المتقاعدين، وتأخير نية الكثير ممن في الخدمة لنية أو قرار التقاعد، بإمكان الحكومات وضع برنامج خاص على طريقة لا ضر وضرار، ولا يموت الراعي ولا تفنى الغنم، حتى يتشجع أصحاب الخدمة الطويلة لطلب التقاعد المعقول مادياً، وكذلك يفتح المجال لطالبي العمل الجدد، المهمة الحقيقية لأي حكومة أن تبدع وتخدم شعبها بمرونة كافية وجدية في تطوير الأعمال، في وقت لامكان فيه لبطيئي التطور، وثقيلي الحركة.

وأذكر هنا- وهذا رأي شخصي- أبدأه بسؤال: هل سمعت أو قرأت عن الشركات غير الربحية؟ إنها نموذج لشركة تمارس أعمالاً معينة، مثل التجارة والصناعة والاستثمار، ويكون ريع الشركة وعوائدها للصرف عليها أي تموِّل نفسها بنفسها، وبإمكان الحكومات أن تؤسس وتنشئ شركات غير ربحية منها، تؤدي خدمات للدولة وللاقتصاد، ومنها تفتح فرص عمل للكثير من العاطلين، ولاشك وظائف الشركات وتخصصاتها، وذلك بحسب ما يراه الخبراء الحكوميون أو المكلفون بناء على الحاجة العامة أو استشارات المختصين.

من طرق مُحاربة البطالة أيضًا الوقوف على آخر ما توصل إليه العلم؛ حيث وصل العالم الآن إلى أنظمة الروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي لعدد من الخدمات، وكذلك بروز تخصصات الأمن السيبراني وهو أمن المعلومات، وتشجيع ودعم المعاهد والجامعات لوضع مناهج لمثل هذه التخصصات واستقطاب أفضل الأساتذة المتخصصين لتدريس وتعليم الطاقات البشرية من الشباب ذكورًا وإناثًا، وعدم الجمود على مناهج محددة منذ عقود. فالتطورات العلمية تتغير بسرعة البرق وتحتاج مسايرة من أجهزة متخصصة كفؤة تعرف كيف تتعامل معها. فبعد مدة من الزمن قد تختفي وظيفة مندوب بسبب كفاءة طائرة الدرون (الطائرة بدون طيار) التي أصبحت الآن في بعض البلدان هي من يقوم بتوصيل طلبات المطاعم!!

معنى هذا أن كثيرًا من المندوبين لن يعد لهم عمل في حال تطبيق هذه التقنيات الحديثة.. لا تعتقد أن أمر استخدام هذه التقنيات بعيد زمنيًا، صدقني إذا كنت أنت تسير بخطوات سريعة فغيرك يعدو ويجري، لا مكان للمتثائب في عالم السرعة!

هل استعدت مؤسساتنا العامة والخاصة لمثل هذه التطورات؟

الحقيقة تقول إنه في هذا العالم إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب!