مدرين المكتومية
لطالما حافظت السَّلطنة على علاقات قوية مع الأشقاء في دول مجلس التَّعاون الخليجي، ولا سيما الشقيقة السعودية، التي تربطنا بها علاقات طيبة مُتنامية منذ جيل الآباء المؤسسين، فهي دولة جوار على حدود تمتد لمئات الكيلومترات، مرورًا بالربع الخالي، وهي بذلك أطول حدود برية لعُمان مع دولة جوار، فضلاً عن علاقات النَّسب والمُصاهرة، التي تزيد من وشائج القربى بين البلدين.
تطورات مُتلاحقة شهدتها الفترة الأخيرة انعكست على مستوى العلاقات الثنائية والتَّعاون المُشترك في مُختلف المجالات، وخاصة في الجانب الاقتصادي والاستثماري، وبدا واضحًا أنَّ المسؤولين السعوديين يُعربون عن الاهتمام الخاص بالاستثمار في السلطنة، والاستفادة من المُقومات الكبيرة التي تزخر بها بلادنا، لاسيما فيما يتعلَّق بالتسهيلات الاستثمارية وعناصر الجذب في العديد من قطاعات الإنتاج، بما يتماشى مع تطلعات الرؤية المُستقبلية "عُمان 2040". ولا شك أنَّ مثل هذه التطورات تُسهم في توثيق عرى التَّعاون وتأكيد قوة العلاقات الثنائية، وهو ما تجلى بوضوح في زيارات المسؤولين السعوديين للسلطنة، وما قابلها من زيارات لمسؤولين عُمانيين إلى المملكة، والتي أثمرت عن ما يُقارب 150 فرصة استثمارية بقيمة تصل إلى 15 مليار ريال سعودي وهو ما يعادل 1.5 مليار ريال عُماني في عدد من القطاعات المختلفة، كالصناعة والسياحة والطاقة المتجددة، الأمر الذي يعكس حجم العلاقة المتينة بين البلدين أو كما يُراد لها من تقارب.
وعندما نتحدَّث عن العلاقات العُمانية السعودية، فإننا نشير إلى مستويين؛ الأول داخلي، والثاني خارجي. أما فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية الداخلية، فكما ذكرت تنصب في مجملها على التَّعاون الاستثماري والاقتصادي، والاستفادة المتبادلة من الخبرات في العديد من المجالات، خاصة وأن البلدين يملكان رؤية طموحة للتطوير والتحديث، والاستفادة من الإمكانيات الواعدة لدى كل منهما. فإذا قلنا إنَّ عُمان تزخر بمقومات اقتصادية واعدة مثل المنطقة الاقتصادية الخاصة في الدقم، والمناطق الاقتصادية والخاصة والحرة في أنحاء الوطن العزيز، إلى جانب العديد من المواقع الفريدة التي تستقطب استثمارات سياحية، مثل الجبل الأخضر وصلالة وجنوب الشرقية، وكذلك مسندم، ومسقط، فإنَّ المملكة تتمتع بمقومات أخرى مثل منطقة العلا الأثرية التاريخية، ومدينة "نيوم" التي بلاشك تمثل بوابة المستقبل ليس للمملكة وحسب بل وللمنطقة والإقليم بأسره، وغيرها الكثير من المناطق ذات الثقل الاقتصادي والاستثماري والجيوساسي أيضًا.
أما على المستوى الخارجي، فالجميع يعلم حجم وطبيعة الدور العُماني البارز والرائد فيما يتعلق بنزع فتيل الأزمات في المنطقة والعالم، وقد كانت- وما زالت- مسقط قِبلة للباحثين عن الاستقرار على شواطئ عُمان الهادئة، وفي أروقة دبلوماسيتها الرصينة القائمة على ثوابت وطنية وتاريخية لا تتزعزع. فعُمان وخلال العقود الماضية نجحت في ترسيخ سياسة خارجية قوامها التآخي والتآلف ونشر السلام ودعم الاستقرار في كل بقاع الأرض؛ حيث رفعت السلطنة شعار الحياد الإيجابي في كل ما يتعلَّق بقضايا المنطقة، فضلاً عن التزامها بمقررات الشرعية الدولية ومواثيق الأمم المتحدة في القضايا المتعلقة بالصراعات المختلفة، وعلى رأسها الصراع في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ومنذ أن تعرضت المنطقة إلى الكثير من التحديات والأزمات والحروب، وعُمان ثابتة على مواقفها الوطنية الرصينة، تسعى إلى تقريب وجهات النَّظر، والتوسط بين الفرقاء من أجل العودة إلى موائد المفاوضات. ومع اندلاع الأزمة في اليمن، سعت السلطنة بكل جهدها لكي تضع الحرب أوزارها، وتكللت الجهود في الكثير من المواقف بنتائج إيجابية، سواء على المستوى السياسي والعسكري أو المستوى الإنساني والصحي. ووجد جميع الأطراف في عُمان الثقة المنشودة، والحياد النزيه، ولذلك يُمكن القول إنَّ الدور العُماني في إنهاء الأزمة اليمنية متواصل ولم يتوقف، وما زيارات كبار المسؤولين من المملكة العربية السعودية الشقيقة للسلطنة، سوى تأكيد على أنَّ ثمَّة حلحلة وشيكة في هذا الملف. وهنا نؤكد أنَّ التعاون العُماني السعودي في الأزمة اليمنية من شأنه أن يجلب الخير للشعب اليمني الشقيق، فالمملكة لطالما سعت بكل طاقتها لأجل إحلال السلام في اليمن، وما أدل على ذلك من مواقفها المؤيدة للشرعية في اليمن، ودعمها لجهود الرئيس عبد ربه منصور هادي الرامية لإنهاء الصراع.
إنَّ عُمان والسعودية ماضيتان في جهودهما لمزيد من التطور والنمو في مستوى التعاون المشترك، متخذين في ذلك الأسس المتينة والعلاقات الثنائية الراسخة، أرضيةً صلبةً للانطلاق نحو آفاق أكثر رحابة وأثرى تنوعًا، ولبلوغ قمم المجد وذرى الرخاء والاستقرار، لشعبيهما وشعوب المنطقة والعالم بأسره.. وفق الله قادة البلدين الشقيقين لكل ما فيه خير ونماء أوطاننا.