د. خالد بن حمد الغيلاني
@khaledAlgailani
في علم أهل اللغة؛ الأولوية تقديم الأمر على غيره من الأمور، وإعطائه أهمية بالغة وخاصة، وتأخير ما عداه، وعند علماء الإدارة والتخطيط؛ فالأولوية تعني تسخير كل عناصر المنظومة، ومقدرات المؤسسة لخدمة ذلك الهدف المحدد كأولوية لتحقيقه مهما كلف الأمر، وعندما تضاف لهذه الكلمة قصوى لتصبح أولوية قصوى فالأمر لا يقبل التأجيل ولا التأويل ولا التسويف ولا مكان لجدال أو اجتهاد أو بحث عن مُبررات لا جدوى منها ولا يعّول عليها.
وفي الأسبوع الماضي تفضَّل مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظَّم- حفظه الله ورعاه- فترأس اجتماع مجلس الوزراء الموقر؛ ومن خلال المتابعة لتفاصيل ذلك اللقاء المبارك بحضور جلالته أعزَّه الله تعالى، وبالغ الأهمية بتوقيته وظروفه وضرورته، طالعتنا الصحف المحلية والمواقع الرسمية بما حظي به اللقاء من طرح ومناقشة، فكان الأمر بتوفير العمل للباحثين عنه أولوية قصوى، وحينما يرى سيد الوطن أنَّ هذا الملف يمثل أولوية قصوى، عند ذلك لا مجال لغير العمل الجاد والتنفيذ الفوري، ولا فرصة إلا بجعل الأمر النافذ حقيقة ماثلة وواقعاً ملموسًا، وهنا تتضح لنا حقيقتان لا تقبلان النقاش؛ الأولى: بشرى للباحثين فأنتم في موضع الاهتمام البالغ والأولوية القصوى، وأنتم في المكانة المرموقة من لدن جلالته نصره الله تعالى، وأنتم في محل العقل والقلب، والثانية: رسالة واضحة وأمر سامٍ للجميع؛ ويمكن توضيح ذلك من خلال الآتي:
- رسالة للجهات التشريعية لسبر غور القوانين والتشريعات وتطويعها وتعديلها والإضافة عليها واستحداث الجديد منها لتكون فاعلة في كل ما من شأنه الإسهام في إيجاد الوظائف اللازمة للباحثين وبشكل مُستدام ومتسق مع ضرورات الوقائع ومتطلبات المُستقبل.
- رسالة للجهات الرقابية للمتابعة الدائمة لمختلف المؤسسات والجهات الخاضعة للرقابة، ومدى الالتزام بهذا الأمر السامي وخُطط التعمين والإحلال، والضرب بشدة القانون ونفاذ الأوامر لكل متقاعس أو متكاسل أو متخاذل يُؤخر الأمر ذا الأولوية القصوى.
- رسالة للجهات المسؤولة عن تنظيم الوظائف وتحديد أنواعها ومجالاتها وتخصصاتها، وتحديد خطط تنفيذ ذلك بالشكل الذي يُمثل الأولوية القصوى، فالواجب على هذه الجهات الالتفات لهذا الملف التفاتة كاملة ومُتمكنة ونافذة.
- رسالة للجهات المُختلفة في أجهزة الدولة لتحديد احتياجاتها، ومتطلباتها من الوظائف المختلفة، وفق خطط واضحة واختصاصات محددة، وبرامج قابلة للتنفيذ الفوري، وبما يتوافق مع خطط التنمية ولا يشكل عبئاً على تنفيذ هذه الخطط أو يسبب ثقلاً على الموازنات وزيادة في عجوزاتها المالية.
- رسالة للمؤسسات التعليمية المختلفة، ولاسيما مؤسسات التعليم العالي للبحث عن مسارات تعليمية جديدة مُتسقة مع متطلبات المرحلة وحاجة المستقبل، ومُتماشية مع متطلبات الثورات التي نحن على مشارف الخامسة منها وتوجهات العالم نحو الذكاء الاصطناعي، ليكن تعليمنا قائمًا على المشاركة والابتكار، ومتمحورًا حول متطلبات السوق وحاجة المستقبل، ليكن التعليم نافذة نحو اقتصاد قوي ثابت مُتماسك لا يخضع لتقلبات السوق، ولا يتأثر بأسعار الطاقة التي سرعان ما ينفذ مخزونها، ليكن التعليم باعثاً نحو حياة رغيدة وهانئة.
- رسالة لجهاز الاستثمار العُماني وكل مؤسسة وطنية لها علاقة بهذا القطاع الحيوي الهام ليكون منفتحًا على مُختلف القطاعات، مذللاً لكل الصعاب، فاتحًا الباب على مصراعيه للراغبين في الاستثمار النافع والمستدام الذي يُعزز قدرات الوطن الاقتصادية، ويفتح الآفاق نحو شباب الوطن.
- رسالة للقطاع الخاص، أنت شريك وجزء من متطلبات البناء، وركن من أركان التنمية، والمسؤولية عليه رغم كبرها إلا أنها مفيدة له وللوطن والمواطن على المديين القريب والبعيد، ويكفيه أن يكون استثماره ورقيه بيد أبناء الوطن فهم خير من يصون الأمانة ويُحقق الإنجاز.
- رسالة لمؤسسات المجتمع المدني؛ وهم عليهم مسؤولية عظيمة تتمثل في توعية المجتمع والأخذ بيد شبابه والإسهام في تطوير قدراتهم المختلفة، وتوجيههم نحو كل أمر من شأنه فتح آفاق المستقبل بشكل أكثر وضوحًا وتفاؤلا.
- رسالة للنخب المجتمعية والإعلام والأقلام العمانية لتكون فاعلة في التوجيه نحو المستقبل، رقيبة على العمل الفعلي، دافعة نحو الأمام، واضعة كل أمر في نصابه، قاطعة كل طريق للضرر أو النيل من مقدرات هذا الوطن ومكتسباته.
- رسالة للشباب العماني أعدوا أنفسكم وابحثوا عن كل سبيل للتطوير، وأعلموا أنَّ الأمر يحتاج منكم لتنمية القدرات وتطور المهارات وبناء الخبرات، ومن المهم حسن اختيار التخصص، وتحديد المسار التعليمي الذي يُحقق لكم الأهداف ويبلغكم الغايات، كما أنكم أداة البناء والتطوير التي لا يُمكن إغفالها، ولا يتم الأمر إلا بها، وعُمان معتمدة عليكم، فكونوا أهلا ذلك، وقد خبرتكم التجارب فكنتم خير الشباب وخير العدة وخير العتاد.
- رسالة لكل أبناء عُمان ودعوة صادقة أننا نسير بإذن الله تعالى نحو المستقبل الذي نرجوه ونأمله، ورغم قساوة الأمر، وشدة الظروف؛ إلا أنها عمان التي تفدى بالمهج والأرواح، عمان التي نطاول بها عنان السماء فخرًا وسموًا، عمان التي نرتجي لها الخير والرفعة والمكانة السامقة، فكونوا لها درعًا حصينًا، وسدًا منيعًا، وبناة للتطوير، ودعاة للتعمير، وكونوا لسلطان البلاد -حفظه الله ورعاه- سندا وعونا، فهو الذي يصل ليله بنهاره، ويعمل دون كلل ولا ملل ليُحقق الأهداف، ويبلغ بنا الغايات، وكما أكد جلالته أن ملف الباحثين أولوية قصوى، فلتكن عُمان الوطن والسلطان والإنسان أولوية قصوى.