د. رضيه بنت سليمان الحبسية
استاذ الإدارة التربوية المساعد بجامعة نزوى
يقوم الفرد في حياته بأدوار متعددة، على المستوى الذَّاتي، الأسري، المجتمعي، والمؤسسي أحيانًا. وفي خِضَمّ إيفائهِ بمهامه ومسوؤلياته اليومية، قد تتشابك المصالح وتتداخل المخططات، خاصة في ظل تباين التطلعات، وعلو الطموحات. ومعها الأعمال تتراكم، والحيرة في ضبط الأمور تتزايد، وغالبًا ما يصل الفرد إلى مرحلة فَقْد السيطرة، وقلة التحكم في المتغيرات والعوامل الخارجية، وبالتالي ضعف الإنتاجية. ومن خلال المقالة الحالية، سيتم التركيز على التساؤل الآتي: كيف تجعل حياتك أكثر فاعلية؟
وللإجابة على هذا التساؤل، واستنادًا إلى ما اكتسبناه من الدورات التدريبية حول إدارة الأولويات، يمكن الاستفادة من مصفوفة أيزنهاور).Eisenhower Matrix) وهي أداة تساعد الفرد على اتخاذ القرار المناسب وتنظيم وقته بشكل جيد؛ ليتمكن من قيادة زمام الأمور، مما يجنبه سيطرة الظروف والمستجدات على استقرار حياته، وتحقيقه لأهدافه. وتتلخص تلك المصفوفة في تحديد ما هو مهم، وعاجل؛ وإن كان صعبًا. ثم التدرج للقيام بالأعمال المهمة، وإن كانت غير عاجلة؛ لارتباطها بأهداف وغايات مستقبلية. ثم تأتي المهام العاجلة الغير مهمة؛ كونها لا تمثل قيمة حقيقية، وقد تستنزف وقتا من الفرد، لذا يمكن تفويض آخرين للقيام بها. وأخيرًا الالتفات للأمور الغير مهمة وغير عاجلة، كما ويمكن إهمال الأخيرة وتجاهلها؛ إذ تُعَدّ من المشتتات، وتقع في دائرة مضيعات الأوقات.
وفي ضوء ما سبق، فإنّ طريقة أيزنهاور تساعد الفرد أيضا على التساؤل المستمر، حول مدى أهمية المهام التي هي على طاولته، ومع محاولة تطبيقها، والتدرب عليها، يصبح شيئا فشيئا قادرًا على نقل الأمور غير المهمة إلى الأعمال التي يمكن تجاهلها وحذفها من قائمة أعماله، وتقليل التحديات التي تواجهه، وبالتالي إيلاء الأهداف الضرورية والقيّمة اهتمامًا وأولوية. وفي ضوء ما سبق، تأتي أهمية اكتساب مهارة إدارة الأولويات، وهي جزء لا يتجزأ من فن تنظيم واستثمار الأوقات، فضلًا عن تطوير وتنمية الذّات.
وبالإضافة إلى ما سبق، ومن خلال القراءة في ملخصات كتاب "العادات السبع للأشخاص الأكثر فعالية" لستيفن كوفي(Stephen Covey)، فإنّ الكاتب يشير إلى أهمية أجندة الأعمال ذات الطابع المهم وإن كانت غير عاجلة؛ إذ تساعد الفرد على تقليص الوقت المستهلك في إنجاز الأعمال الأخرى، وبالتالي تحقيق أهدافه وفقا للأولويات. والكتاب المذكور يتطرق إلى سبع مبادئ، ثم أضاف الكاتب العادة الثامنة "من الفعالية إلى العظمة"(ويكبيديا). فإذا طُبِقَت تلك المبادىء كعادات، فإنها من المُفترض أنْ تساعد الفرد ليكون أكثر تأثيرًا وفاعلية، حيث تدور فكرتها حول الإعتماد على الذّات وتنميتها. وذلك من منطلق رغبة الفرد الداخلية في تغيير اسلوب حياته، باكتساب معارف ومهارات، وعادات تنعكس إيجابًا على أفعاله وقراراته ؛ سعيًا لتحقيق أهداف أكثر فاعلية وكفاءة.
وعطفًا على ما جاء أعلاه، فقد يعتقد البعض، أنّ ما يَرِدُ في كثيرٍ من كتابات الخبراء، و ما تزخر به مؤلفاتهم، هي من قُبَيْل التنظير لا أكثر. إلا أنّ غالبية تلك المعتقدات تُمَثّل إجحافًا لخبرات العلماء الواقعية، وتجاربهم العملية. وإنْ كان بعضٌ منها نِتاج بحوث أساسية ونظرية، فهي مصدرًا للبحوث التطبيقية، باختبار فاعليتها وجدواها. ومع تبنّي استراتيجية ترتيب الأولويات، وتغيير كثير من العادات، كمدخل لإنجاز الأعمال في أوقاتها، يمكن تحقيق كثير من الأمنيات، واستقطاع أوقات للمبادرات، وممارسة الهوايات، بعيدًا عن القلق والضغوطات. لذا من الجيّد أن نُبادر بتغيير عاداتنا،التي هي أساس سلوكياتنا، ونرتقي بحياتنا، مستأنسين بخبراتنا وخبرات الآخرين.
ختامًا: لأجل إدارة فاعلة للأولويات، وارتقاء سُلّم النجاح، فإنّ على الفرد المبادرة بتطوير ذاته، وتغيير مفاهيمه السلبية، وتنمية قدراته العقلية. من خلال القراءات المتنوعة في مجالات التنمية الذاتية، الإلتحاق بالبرامج والدورات التدريبية المتخصصة والتثقيفية، حضور محاضرات تنشيطية، التعاون الإبداعي والإيجابي، التواصل الفعّال والمثمر، توظيف المعارف عمليّا في مواقفٍ حقيقية، تحويل المهارات إلى عادات؛ تنقل حياة الفرد من الشكوى والتذمر إلى النمو والتطور، ومن التوتر إلى الإستقرار، وأخيرًا شحذ الهمم لتجديدٍ متوازنٍ لجوانب حياته الروحية، البدنية، العقلية، والعاطفية، وبالتالي يصبح شخصًا أكثر فاعلية، وحياته أرفع شأنًا، وأكبر قيمة ومعنى.