قمة مجموعة السبع و"الإغواء الأخير"

علي الرئيسي

باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية

اجتمعت دول مجموعة السبع في قمتهم السنوية، وهذه المجموعة أكبر تكتل اقتصادي يضم الدول الصناعية الغربية، أو ما يسمى بـ"الليبراليات الغربية"، اجتمعوا يوم الأحد 13 يونيو في كارنيل بالمملكة المتحدة.

في عام 1941، وقع رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، "ميثاق الأطلسي"، والذي حدد المبادئ الأساسية لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية: حق تقرير المصير، وحرية التجارة الدولية، إلى عالم خال من الحاجة والخوف.

وبعد 80 عاما يوقع بوريس جونسون وجو بايدن "ميثاق الأطلسي الجديد"، لكن الميثاق الجديد يعكس- حسبما كتبه توم كابسا في صحيفة ذا جارديان البريطانية- تضاؤل دور كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في القرن الحادي والعشرين. لم يعد هناك زعيمان يخططان لمستقبل البشرية، ولم يكن هناك حتى وعد باتفاقية تجارية بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

أجندة مجموعة السبع كانت حُبلى بتحديات جمّة؛ من ضمنها: القضاء على جائحة كورونا، والعمل على تعافى الاقتصاد العالمي سريعًا، والتسريع بالإجراءات الخاصة بمعالجة أزمة المناخ. لكن التوصيات  التي خرج بها الاجتماع أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها كانت دون  مستوى التحديات التي تواجه العالم، فقد وعدت مجموعة السبع بتوزيع مليار جرعة من اللقاح المُضاد لوباء كورونا، على الدول الأكثر فقرًا في العالم. غير أن صندوق النقد الدولي أشار إلى أن هذه الجرعات هي ما تم شراؤه وتمثل فائضًا لا تحتاجه هذه الدول. وحسب "بروجرسف إنترناشونال" فإن 75% من اللقاحات تم توزيعها في 10 دول فقط، وأن 0.3% من اللقاحات تم  توزيعها في  البلدان ذات الدخل المنخفض. لذلك ووفق هذه الوتيرة، فإن البلدين ذات الدخل المنخفض ستستغرق 75 سنة لتتمكن من تطعيم جميع مواطنيها!! وبالتالي فإن توصيف "أبارتيد اللقاح" يعد توصيفًا فعليًا لواقع الحال؛ فهؤلاء ليسوا بقادة يقدمون تضحيات من أجل العالم. إن تقديرات كلفة الجائحة تصل إلى حوالى 28 تريليون دولار، ومن غير المفهوم لماذا تلكأت مجموعة السبع- التي تدعي حماية العالم الحر من الهيمنة الشمولية- من تقديم برنامج جدي  لتصنيع وتوزيع اللقاح على مستوي العالم؟!

وحتى بالنسبة لقضية المناخ، لم تكن هناك إضافة حقيقية للمستهدفات المُعلنة، كما افتقد البيان النهائي للاجتماع إلى إيضاحات مهمة حول التفاصيل. إن وعود الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن ما يسمى بمبادرة "إعادة بناء عالم أفضل" والتي من المفترض أن تكون منافسا لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية، إلا أن المبادرة الغربية- عدا عن البلاغة الخطابية- تفتقد إلى تصور وإطار عمل شامل، حسب ما ذكرته مجلة ذي إيكونوميست البريطانية، وتأتي في وقت تقوم فيه الدول الغربية بتقليص مساعداتها للدول الفقيرة، وهناك شكوك كبيرة في أن تتمكن هذه الحكومات من الحصول على أموال إضافية لمشروع كهذا.

طبعًا غياب الصين عن المؤتمر- وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم- يُضعف تمامًا هذه المجموعة التي حاول فيها جو بايدن، خلق تحالف غربي ضد الصين؛ حيث إن موقفه العدائي  من الصين لا يختلف كثيرا عن موقف الرئيس السابق دونالد ترامب. وجاء في بيان حلف الناتو أن الصين تُشكل تحديًا أمنيا للتحالف الغربي. وهناك تقارير تفيد بأن الولايات المتحدة ستضغط على حلفائها  للعمل على كبح التعاون التقني مع الصين. ومن هنا يمكن تفسير الشروط الجديدة التي تطالب بها الإدارة الجديدة من الإمارات المتحدة على سبيل المثال لتمرير صفقة طائرة "إف- 35".

سخِر الصينيون من هذا التحشيد ضدهم بتشبيه كاريكتيري طريف انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي، ويصور مجموعة السبع  ودول حلف الناتو تشبه إلى حد ما جدارية "العشاء الأخير" والتي شارك فيها السيد المسيح مع حواريه قبل صلبه. وخارطة الصين وهي الكعكة التي اجتمع عليها تسعة حيوانات في إشارة إلى الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وإيطاليا، وكندا، والمانيا، وفرنسا، واستراليا، والهند. وعلى رأس اللوحة اقتباس يقول: "ما زال بإمكاننا حكم العالم".

تبقى هناك حقيقة أثبتتها الجائحة خلال الفترة الماضية، ألا وهي مركزية دور الدولة الوطنية في  الشأن العام، أمام ضالة التعاون والتضامن الدولي، وبقيت المؤسسات الإقليمية والدولية دون تأثير يذكر. وأن الدول القادرة على تصنيع وتوزيع اللقاح على المستوى الدولي تفتقد للطموح، وبقيت أسيرة لمصالحها الوطنية الضيقة.