يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
"إن التاريخ هو ذاكرة الأمم، أومعمل كبير لتجارب البشرية، يحفل بمعادلات النجاح لمن يحسن صياغتها" هنري كيسنجر.
----------
يقفز سؤال دقيق: هل بالإمكان الاستفادة من التراث والمرافق التاريخية والاستفادة من التاريخ لتحقيق أهداف وحلول للبطالة؟
قد يتوقع أو يظن من يقرأ السؤال بأن السؤال أشبه بالفهلوه بلهجة أهل مصر العزيزة، والحقيقة أن الباحث عن حلول يطرق كل باب لأجل الحصول على معلومة، أوالوصول لهدف ما يُحقق مآلاته، ويقدم خطواته، وعلى ذكر سيرة أهل مصر هل ننسى أن أحد أهم موارد السياحة المصرية التي يعتمد عليها الناتج القومي هي الآثار الفرعونية وآثار حضارة الفراعنة، وكل متابع لا ينسى مسيرة المومياءات المُذهلة التي أدهشت بها مصر العالم، وماهي المومياءات أليست آثار؟
هناك دول تمتلك إرثا عريقا من الآثار الحضارية من حصون وقلاع وآثار متنوعة ومخطوطات لكنها لم تستغلها مصلحيا الاستغلال الأوجب ( بالطبع مصلحيا من جانب إيجابي للمصلحة العامة من نشر المعرفة، وتعريف بالتاريخ وكذلك استثمار ذلك لفتح فرص عمل، وتأسيس شركات وجهات متخصصة وتكوين رؤوس أموال. لامشكلة ولاعيب في ذلك )، هذه المنظومات الآثارية إن بقيت بلا استغلال ذكي ومبتكر ستكون كما اللوحات الغالية الثمن في ممر مظلم، لن يشاهدها أحد، ولن يستفيد منها أحد!
سأذكر باليونان وهي التي استغلت واستثمرت حضارتها العتيقة خير استغلال، لدرجة استغلت شهرتها وبنت على أساسها طلب تنظيم الألعاب الأولمبية الصيفية، حيث أسست الألعاب في دورتها الأولى عام 1896 م، وفي عام 2004 م استضافت أيضًا الدورة للمرة الثانية، وكان أحد أهم شعاراتها البراقة الجاذبة هي صور الأكروبوليس الأثنية ( نسبة إلى مدينة أثينا )، وحتى يومنا هذا تتوافد مجاميع السياح لبلاد الأغريق حيث الوجهة الأهم للكثير منها زيارة آثار الحضارة القديمة، والأماكن التي كان بها الفلاسفة القدماء سقراط ووأفلاطون وأرسطو وغيرهم، وبالطبع لك أن تتخيل كم يُحقق الناتج القومي لليونان من جراء استغلال الآثار القديمة سواء ماليًا أوثقافيًا أوفتح فرص عمل كبيرة، وقس على ذلك عدد من الدول الشهيرة بحضاراتها كإيطاليا مثلًا وعاصمتها روما وغير ذلك الكثير كما أسلفت.
حتى المواطن داخل البلد ممكن بطرق ذكية الاستفادة، وتسليط الضوء على تاريخ البلد وذاكرته العريقة لعمل مسابقات وتنظيم مهرجانات بها تأثير وأثر ملموس للتاريخ، ممكن استغلال التراث البدوي الزاخر في الحركة السياحية، وكذلك التراث البحري العريق، الذكاء هو في تحويل ملامح التاريخ إلى عمل عصري يستفاد منه، فالتاريخ هو تفاعل بين الزمان والمكان والإنسان، معالم التاريخ ممكن جدًا بهمم مُبدعة أن تقود صناعة سياحية تفتح آفاق اقتصادية لها أثرها البارز على المجتمع.
التاريخ ليس كتابا تقرأه ثم تضعه أعلى الرف، بل هو نبراس للمستقبل، واستشراف لأيام وسنين قادمة، وهوحجر الأساس في أي خطة وطنية حاضرة ومستقبلية، لكن من يفهم ذلك؟
من يستوعب ذلك؟ من يلتمس بأن التاريخ ليس قسما أكاديميا يُخرج سنويًا خريجين في عداد المهمشين، لأن المجتمع الذي يهمش التاريخ، سيصبح وجوده مهمش على الساحة الدولية !
القضية كما أسلفت ليس كتاب أومذكرة وآثار وسلام عليكم عليكم السلام، بل التاريخ عند الأمم الحية هو أول كلمة في الاجتماع، وأول سطر في كتاب التنمية.
الآثار وملامح التاريخ بالإمكان استغلالها لفائدة البلد حاضرًا عندما تكون النظرة الثاقبة لأهمية ذلك، والرؤية البعيدة لاستغلالة كنافذة حضارية للترويج ونشر ثقافة البلد، ولاننسى بأن الثقافات أصبحت في زمننا الحالي تستخدم أحيانا كقوة ناعمة. أتذكر تركيا ركزت في أحد أهم الجوانب التسويقية لجذب السياح عبر المسلسلات التي روجت بشكل غير مباشر للأماكن السياحية في بلاد الأناضول، انتشرت بعدها الإعلانات السياحية التي حظيت بأقبال منقطع النظير خاصة من سياح الشرق الأوسط إلى أن وصل الأمر في إحدى السنوات القريبة الماضية لتكون إحدى الوجهات السياحية الأهم على مستوى العالم، واحسب كم فتحت هذه السياحة من فرص عمل وتنشيط لحركة المطارات والفندقة والأسواق.
الحديث حول علاقة السياحة بتوفير فرص العمل والقضاء على البطالة طويل ولايتسع له مقال ولا مقالات، وأهميته تبرز عندما يكون صاحب القرار مؤمنا بالدور المحوري الذي تحققه الحركة السياحية لفائدة البلاد. السياحة ليست كما يتصور الكثير إنها فتح أبواب الانحلال الأخلاقي والسماح بالمحرمات، بل فن وذكاء وقرار ورعاية من أعلى مستوى لتوفير البيئة الخصبة التي تساعد على الاستفادة القصوى من مقدرات البلد بما ينفع البلاد والعباد..
وهمسه في أذن كل مسؤول كبير: ليكن أول وأهم شخص من بطانتك هوأحد المؤرخين الثقات أوباحث تاريخي نزيه وأمين، فهو ذاكرة الزمان الذي يبنى المستقبل.