التنمية.. قرار جمعي

 

يحيى الناعبي

 

من تابع الرؤية التنموية "عُمان 2020" والمشاريع التنموية المُعلنة وقتذاك، يجد أن الكثير منها لم يتحقق للأسف، وما تحقق لم يكن على المستوى المأمول، وقد سمعتُ أحد المسؤولين الجُدد يُبرر منظومة العمل السابقة على أنها "اجتهادات غير موفقة"!!

الحديث عن إخفاقات المسؤولين السابقين، يصيبني بحالة يأس وإحباط؛ حيث لا يجب أن تصدر مثل هذه التصريحات من مسؤولين عندما يتعلق الأمر بمصير وطن وشعب؛ لأنه يتبادر في ذهني مباشرة "الله يستر من اجتهاداتك القادمة"!! إذا كان الفشل برره المسؤول الحالي على أنه "اجتهادات"، فهل معنى ذلك أنها كانت قرارات شخصية مركزية غير مدروسة؟ كان على ذلك المسؤول أن يقول: إن ما حدث في السابق تراكمات لأخطاء وأننا بصدد تصحيحها ومعالجتها، فليس من العيب أن تكون لنا شهادة حول ما حدث، وأن نكرس الحاضر والمستقبل لمعالجة هفوات الماضي. يجب أن يعلم الجميع أن المسؤولية مشتركة ابتداءً من الأسرة الصغيرة في المنزل، وليس انتهاءً في الشارع والأماكن العامة وأماكن العمل.

في إحدى الضواحي الأسترالية الهادئة، دار حديث بيني وبين أحد ساكنيها حول ثقافة توزيع القمامة، منها ما يكون مصيرها التخلص منها ومنها ما يُعاد تدويرها وصناعتها من جديد "recycling"؛ كأسلوب حضاري وبيئي واقتصادي. فأدهشني بالرد عندما قال: إن هذه المدينة البعيدة لا يوجد بها مصنع تدوير للبلاستيك والمعادن، لكن هذه الثقافة منتشرة في المدن ونحن لسنا أقل منهم، لذلك علّمنا أجيالنا على توزيع القمامة كلٍ في مكانه الصحيح بعد ذلك. وعندما أصبحت جزءً من ثقافتنا، ارتأت الحكومة أن تنقل هذه المخلفات في حاويات عبر القطار إلى مصانع التدوير. وقد قمت بزيارة مستودع "المردم" النفايات للمدينة الذي أدهشني تنظيمه، فكل شاحنة خاصة أو تجارية تنقل مخلفات معينة سواء معادن أو أخشاب أو تربة، يتم قياس وزنها عند دخولها المستودع (المردم)، وقياسها بعد أن أفرغت الحمولة عنها. طبعا هناك الكثير للكتابة حوله ولكن المجال ضيق.

فقط خلاصة القول عزيزي القارئ: هل تعتقد أن هذا الفكر وهذا التنظيم هو نتاج ذهن فردي وعبقرية أحادية أم هي تشاركية وتنظيمية ومسؤولية جماعية، منذ لحظة رميها في أماكنها المخصصة في المنزل وانتهاء بتوزيعها ونقلها وتدويرها في المصانع. إنها التربية في المنزل، والتنظيم في العمل والمعرفة في الجامعة ومؤسسات كثيرة. نسيج متكامل يشرف عليه الجميع.

في إحدى القرى العُمانية الجميلة، دار حديث بيني وبين أحد الأجيال الشابة والخريجين من إحدى جامعات السلطنة، تناولنا مشروع تخرجه الذي كان في غاية الأهمية مثله مثل الآلاف من مشاريع الخريجين العُمانيين في مختلف الكليات. كان مشروعه مع مجموعة من زملائه حول نظام تنبيه عن الحريق في المنزل عبر الهاتف النّقال؛ حيث يستطيع أفراد المنزل أن يكتشفوا فيما لو حدث حريق بالمنزل مبكرًا عبر جهاز إنذار في هواتفهم المحمولة وهم خارج المنزل، سواء في العمل أو أي مكان آخر. ويساعد ذلك على إنقاذ المتبقين في المنزل سواء الأطفال من الموجودين أو كبار السن، أو عاملات المنزل وغيرهم. وأيضًا يُساعد على الإبلاغ لإخماد الحريق قبل تفاقمه. وأتذكر جيدًا أنه خلال فترة قريبة كانت هناك قصة مؤلمة لحريق تم في أحد المنازل بإحدى الولايات أدى إلى وفاة أفراد العائلة.

ما أود إيصاله هنا ونحن بصدد خطة وطنية "عُمان 2040" أن هذه الرؤية المستقبلية تخص المجتمع بأكمله، كلٌ له دوره في الالتزامات والحقوق. وأعتقد أن الالتفاف نحو أفكار ورؤى الآخرين العلمية والمعرفية أمر ضروري جدًا، إذا أردنا أن نكون جادين في ذلك، أما إذا كانت عبارة عن شعارات كما حدث في الخطط السابقة، فاكتفوا بشراء ملصقات تعلق في الشوارع والمنازل أن لدينا رؤية "عُمان 2040".

يجب على الجهات المسؤولة عن البحث العلمي أن تكون لديها لجان فاعلة للنظر في مشاريع الخريجين، والبحوث التي تقرّها الجامعات وتوصي بأهميتها ودورها في المشاريع الوطنية؛ فالتنمية لا تكتفي فقط على بنات الأفكار الفردية (المركزية) وإطلاق الشعارات والجمل؛ بل تخرج من المختبرات والتجارب والبحوث.

يجب أن يعي من يشعر أنه صاحب قرار أن قراره خاطئ ما لم يبنى على فكر نقدي مدروس "critical thinking"، فنحن أمام أجيال متعلمة بشكل متسارع متجاوزة الفكر القديم، ورأينا نماذج قيادية، تتمنى دول كثيرة أن يكون لديها طاقات شابة كما هي متوفرة في عُمان.

تعليق عبر الفيس بوك