المخترعون والمبتكرون.. لماذا يُهملون؟!

حمد بن سالم العلوي

كتبت مقالة الأسبوع الماضي بعنوان "تعيين مراقب عام للدولة"، وخلق هذا العنوان لبساً مع اختصاصات جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، والحقيقة كما أوضحتها للمسؤول الذي اتصل بي هاتفيًا، أنَّي بالطبع ليس لديَّ ملاحظات على هذا الجهاز؛ حيث يؤدي واجباته على ما يرام، لكن العبرة في خواتيم الأمور!

إنني كنت أقصد مستوىً أعلى من الرقابة، وقد تشمل الرقابة المنشودة جهاز الرقابة نفسه مع من في مستواه من المؤسسات الحكومية، وإذ أكتب اليوم متسائلاً عن شأن المبدعين والمبتكرين، الذين ينشرون مبتكراتهم ثم يختفون، فيخرج مسؤول من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، فيقول هذا شأننا فلما تتجاهلنا؟!

الحقيقة أنا لا أتجاهل المُسميات والتكليفات، ولكن أتساءل عن النتائج.. فأقول أين هي؟ فنحن لا نتساءل عن التغطية الوظيفية كذلك، فقد كان هناك نادٍ يسمى "النادي العلمي" فذهب إليه الكثير من المُبدعين والمُبتكرين، وقد أفرغوا طاقاتهم الفكرية بين جدرانه منذ سنوات بعيدة، ولكنه لم يثمر عن ذلك شيئاً مُحرزاً يعتد به، رغم تلك الطموحات الكبيرة في وقتها، فقد كان حلمهم وحلم الوطن معهم، أن تنشأ لهم مصانع ليفرغوا إبداعاتهم فيها، وذلك بدعم حكومي للتصنيع والإنتاج، لكن قد يكون حصل اعتراض من لوبيات "الوزير التاجر" عندما وجد أنَّ عملية الاستيراد أوفر وأسهل من تصدير الإنتاج العُماني؟! فعندئذ ذهب أولئك المبدعون مع الريح، وحتى مشروع سيارة "نورمجان" مازال صاحب المشروع يعبر الشط على "مُوُد مشروعه" وساعة يغط فيغمره الماء حتى يكاد يلفظ أنفاسه، فيعاود السباحة من جديد علَّه يصل الشاطئ ولم يصل بعد.

ترى ما مصير مشاريع الشباب الذين ابتكروا عدة مبتكرات، فأحدهم ابتكر "مصعدًا" وآخر حول الماء إلى "غاز للطبخ" وثالث صنع "مدفعًا" ورابع "صنع سيارة بموتور ماء، وصنع مدفعا، ومسدسا، وطائرة عمودية"، وكان منزلهم لم تصله الكهرباء- مثل حال قريتي- فأتى بدينمو دراجة هوائية فربط العجلة بمروحة تدور بفعل الريح فيدور الدولاب، فيضيء عليه وأهله نورًا فيدرس على نور ذلك المصباح هو وإخوانه، وهناك من صنع دائرة مراقبة أمنية، وغير هؤلاء الكثير من الشباب المبدع، وهناك مبدعون في الطب والهندسة والطيران، ونظم الطاقة، ونظم الأمن، فتجدهم يزهرون كالورود ثم يذبلون فيختفون، نتيجة الإهمال والسلبية المعششة في بعض أركان جهازنا الوظيفي.

لقد كان الواجب أن تتبنى عُمان بواكير مبدعيها، وتعض عليهم بالنواجد، وتُوجد لهم البيئة المناسبة لينشؤوا ويترعرعوا فيها، فعقول العمانيين ليست أقل مستوى في الإبداع والابتكار عن أقرانهم من خلق الله في هذا الكون؛ بل على العكس هناك من أفلت من يد الإحباط والتهميش، وأخذ المراتب الأولى على أقرانه حول العالم، ووجد من يفرح به من غير أهله، ويكرر نشره في وسائل الإعلام كمن يفرح بشيء له، ولكنها فرحة بجهد غيره فقط، لأنه رفع من معنوياتهم المحبطة، تلك المعنويات التي قتلت بتكرار كبت الذات.

إنَّ عُمان لن ترقى سلم المجد، إلا بتكاتف أبنائها، وبدعم وتبني الدولة لهم، إذن نحتاج إلى جهة رسمية تعترف بداية بوجود كوادر وطنية مبدعة، وتكون شغوفة بتبني فكرهم وإبداعاتهم، وأن تقوم بالبحث عنهم، وتتبنى مواهبهم وعبقرياتهم، وتدعمهم بالمال والإمكانيات وبكرم وسخاء، وأن ترصد الموازنة المحرزة للبحث العلمي والتطوير والإنتاج، ولكن هناك شرط مهم أنا أقترحه على الجهة المعنية، وأقول جهة واحدة وليست عدة جهات، حتى لا يضيع المقترح في الإتكالية والتهرب من المسؤولية.

وهذا الشرط أن يفحص الجانب المعنوي لدى من سيتم اختياره لتوالي النهوض بالعلماء وعباقرة الوطن، وأن يكون مُجمعًا على حب عُمان وجلالة السُّلطان، وأن يرى الشعب العُماني في مقام "الوالد والأخ والولد" ونفس النظرة للنساء، وأن تترك له الحرية في اختيار الكادر الوظيفي الذي سيُعاونه على إدارة "قلب وعقل عُمان" وهنا سنضمن مستقبلاً باهراً لعُمان، لا يقوم على التقليد في كل شيء، وخاصة عندما نقوم بتقليد الفاشلين من العرب وغيرهم.

إذن.. الانطلاقة الكبرى التي يعمل على إحداثها في مستقبل عُمان جلالة السُّلطان الأمين هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله وأيده بالنصر العظيم- لن تكون سهلة ومُمكنة، إلا بقدر ما يقدمه الشعب العُماني من خلال نخبة مبدعيه من أصحاب الفكر والابتكار والإبداع في العلوم والمعرفة، وفي الثقافة والسياسة والاقتصاد، وكافة العلوم الإنسانية الداعمة لغيرها من قيم الحداثة، والنظرة الجادة إلى المستقبل، وذلك دون التفريط في الجميل من الماضي التليد، لأنَّ التسلسل المنطقي في تطور الحياة، يرتكز على قيم الماضي، وقوة الحاضر، والرؤية الواضحة لأفق المستقبل.

فالأوطان لا تقوم على أولئك الذين يسحبون دشاديشهم، وطرر أزرتهم ليغطوا بها بياض أرجلهم من فحش الرفاهية، ومثل هؤلاء لا شخصية ولا هوية لهم، فهم يعبدون المظهر ويهملون المخبر، فالذي يُشرّف عُمان وجلالة السُّلطان، أولئك الذين يشمرون عن سواعد الجد والعمل، ويعملون بإخلاص ولا ينظرون إلى ما لدى الغير بهدف المُقارنة وحسب، فعُمان يوم كانت إمبراطورية عظيمة، صنعت ذلك بنفسها لنفسها، وإلا لضاعت بين الأقوياء، فوقتذاك كانت القوة بالزند والعقل والعزيمة، وليس بأسلحة يصنعها الأعداء للتجارة الربحية.. والله ولي التوفيق.