مدينة السلطان هيثم للاقتصاد الرقمي

 

المُكرم/ أحمد بن عبدالله الحسني

 

واحدة من أهم المُدن الاقتصادية المُتخصصة التي من المُهم جدًا للسلطنة أن تتحرك سريعًا نحو إطلاقها بكل عزم وتصميم وعدم ربط تنفيذها بالظروف المالية المؤقتة وانتظار تحسنها لسنوات؛ هي"مدينة السلطان هيثم للاقتصاد الرقمي" أو "عُمان للاقتصاد الرقمي"؛ لتكون الوجهة والعنوان الأبرز في السلطنة لاستقبال الاستثمارات الخارجية والمحلية والأنشطة والمقار المُتعلقة بالتقنيات وأعمال وفرص الاقتصاد الرقمي.

هذه المدينة ستُشكل على الفور مركزًا ومحركًا لآلاف الشباب يحبونها وتحبهم، ولعشرات المؤسسات والشركات، وستتطور لتصبح بمشيئة الله إحدى ركائز وأيقونات الاقتصاد الوطني، ومع التطور والتفاعل وتزايد مقار المؤسسات والشركات والأعمال ستتحول لتكون منطقة ذات بُعد سياحي وتعليمي وصناعي وترفيهي.

فإذا كنَّا نسعى فعلًا إلى تعزيز فرص بلادنا في مجال استثمارات وأنشطة التجارة الإلكترونية، وتطوير إسهامات هذا القطاع في منظومة اقتصادنا الوطني فهذه المدينة هي المشروع الصحيح الذي لابد من إيجاده وتدشينه بأسرع ما يمكن، وهي ما سيجذب استثمارات وخدمات التحول الرقمي، ومشاريع تقنيات الذكاء الاصطناعي، واستثمارات التكنولوجيا المالية، وأعمال المصارف الرقمية، والتأمين الرقمي والأنشطة والتقنيات المتعلقة بقطاع المدن الذكية، والمباني الخضراء وتقنيات قطاعات الاتصالات والبريد، وشؤون الفضاء والأقمار الصناعية وخدمات وسائل التواصل الاجتماعي (السوشال ميديا)، وتطبيقات التعليم والاجتماعات عن بُعد وأنشطة الإعلام، والإعلان الإلكتروني وإنتاج المحتوى الرقمي وتطبيقات الترفيه والألعاب الإلكترونية، وحاضنات رواد الأعمال والمبتكرات الناشئة واستثمارات العلوم والتكنولوجيا المتقدمة كمشاريع الجيل الخامس والجيل السادس وخدمات الحوسبة السحابية؛ حيث ستجمع المدينة بين التقنيات والأبحاث والعلوم، ومختبرات تحويل المعرفة إلى منتجات وهو ما يُعرف باقتصاد المعرفة.

وإذا أردنا أن ننجح في ترويج الاستثمار فلنروّج لهذه المدينة وما شابهها من مدن متخصصة، وإن ركّزنا الجهود والتسويق الإعلامي والتجاري والدبلوماسي والعلمي فلنركز على هذه المدينة بحوافزها ومزاياها وخصائصها وتشريعاتها، أما الترويج العام لكل شبر في البلد ولكل تشريع فذلك لن يكون عمليًا ومفعوله بطيئًا، فالمستثمرون وأصحاب الأموال يبحث كل منهم عمّا يتوافق مع أنشطته وأهدافه التجارية في إطار نطاقات اقتصادية ذات طبيعة تخصصية لتقليل تكلفة ممارسة الأعمال والاستثمار، ولتكامل الخدمات والموارد في موقع واحد بالقرب من أعماله، وأكثر ما سيشجعه إن وجد لأعماله وتنمية أمواله عنوانًا لافتًا بارزًا كمدينة متخصصة ومتكاملة لمجاله الذي يُركز ويحرص عليه.

ليس مطلوبًا من الجهات المعنية وتحديدًا وزارات الاقتصاد والنقل والاتصالات، وتقنية المعلومات والتجارة والصناعة وترويج الاستثمار، والإسكان والتخطيط العُمراني، سوى تقديم مخطط لهذه المدينة يُحدد موقعها ومساحتها وحدودها، وإعلان إطلاقها وتمهيدها بأعمال البنية الأساسية الأولية فقط، وستكون مشاريع المستثمرين هي معالمها والمحرك لأنشطتها وستنمو وتكبر بمرور الوقت، وتزداد تعاقداتها وشراكاتها محليًا وإقليمًا وعالميًا منذ الأيام الأولى لولادتها دون الحاجة لانتظار 10 أو 20 سنة، فالخدمات الرقمية سوق واسع ينتج الكثير من فرص العمل والأعمال بشكل مستمر ومتجدد، وينجح فيه الشباب بسرعة مثل نجاحهم الواضح في القطاع المصرفي.

ولتبدأ المدينة في خطواتها الأولى بانتقال مقار وأنشطة مجمع الابتكار مسقط، والصندوق العُماني للتكنولوجيا ومركز الابتكار الصناعي، والمركز الوطني للسلامة المعلوماتية، والمراكز التابعة لإستراتيجية عُمان الرقمية كمركز "ساس" وحواضن الأعمال بشركات الاتصالات وغيرها من المرافق ذات الصلة، ولكون المدينة متخصصة في قطاعات الاقتصاد الرقمي فهي بديل مطور ومتقدم (Reform) عن المشاريع التقليدية لمدن العلم والتقنية.

لعله من المناسب أن يكون للمدينة مجلس بمسمى مجلس تنمية وتطوير مدينة السلطان هيثم للاقتصاد الرقمي برئاسة وزارة النقل والاتصالات، وتقنية المعلومات وبمشاركة عدد من ذوي الاهتمام من القطاعين العام والخاص، وذوي الخبرات العالمية بمجال عمل وأهداف المدينة ليكون المجلس مسؤولًا عن إدارتها وتشغيلها واستدامتها وبناء الشراكات الداخلية والخارجية لها.

المبادرة نحو تخطيط وإطلاق هذه المدينة الاستراتيجية الواعدة والرائعة ستكون إيذانًا بانطلاق عمل تنموي كبير؛ لاستيعاب طاقات وإبداعات جيل من الشباب شغوف بالتقنيات والابتكارات، وأكثر الأموال الباحثة عن بيئات استثمارية لأسواق جديدة هي أموال ومقار وأنشطة الشركات المرتبطة بالتكنولوجيا، فالمستثمر لا يأتي بأمواله وجهده وأنشطته ليفتح دكانًا في شارع أو ليستريح في فندق، وإنما جاء لمهمة واحدة، وهي تنمية أعماله وأمواله، وخلال الفترة المقبلة، فإنَّ المشهد العام لأكبر المشروعات في منطقة الخليج هي التي ترتكز على التقنيات، ولاشك أنَّها ستحتاج لخدمات وموارد من أسواق أخرى تتكامل معها وقريبة منها.

تنافسية السلطنة في المؤشرات العالمية تتطلب منِّا العمل في هذا الاتجاه، وحتى تحجز السلطنة لنفسها مكانًا رياديًا على خارطة الاقتصاد الرقمي، وجعلها من بين الوجهات المفضلة للاستثمار والزيارة والإقامة، وممارسة الأعمال ولتفعيل أهداف التنويع الاقتصادي، فهذا النوع من المشاريع يمثل دعامات أكيدة ويرسخ الريادة، ويُقرب للمواطنين إنجاز بعض أهداف رؤية "عُمان 2040" بصورة عملية على أرض الواقع، والتخلص من عقدة الترقب والانتظار لفترات طويلة، وبالتالي أليس بمقدورنا أن ننجز مشروعًا وطنيًا كبيرًا واحدًا أو اثنين في كل خطة خمسية واحدة؟!

تعليق عبر الفيس بوك