جابر حسين العماني
حيثما كانت المرأة في أُسرتها ومجتمعها ينبغي احترامها وتكريمها ورعايتها والحفاظ على ممتلكاتها ومكانتها العالية، التي اختصها الله بها، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "أَكْرِمُوا اَلنِّسَاءِ فَوَاَللَّهِ مَا أكْرَمهنَّ إِلَّا كَرِيمٍ وَلَا أَهَانَهُنَّ إِلَّا لَئِيم"، وقال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).
فإنَّ الله تبارك وتعالى كرَّم المرأة، أمًا وزوجةً وأختًا وبنتًا، وميزها بسورة كاملة في كتابه العزيز، سماها "سورة النساء" فلا ينبغي للأب أو الأخ أو الزوج ابتزازها، فهي الوحيدة التي لها الحق الكامل في الحفاظ على أموالها وممتلكاتها، ولا يحق لأحد التصرف بما تملكه، إلا إذا كان ذلك بإذنها ورضاها، قال تعالى: {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا}.
إن المتأمل في حال المجتمعات العربية والإسلامية، بشتى ألوانها وأطيافها ومعتقداتها، يجد فيها من يجرأ على ابتزاز أموال وممتلكات وحقوق المرأة في داخل أسرتها ومجتمعها، بحجة مسؤوليته تجاهها، فأصبح الأب ينهب مهر ابنته بحجة أن هذا أتعاب وأجر تربيته لها، وأمسى الزوج يستحوذ على أموال زوجته وأملاكها بحجة مسؤوليته عليها وعلى أبنائها.
إن الاستحواذ على ممتلكات الزوجة أو الأخت أو البنت أمر غير مقبول عرفًا؛ بل ولم تجزه الشرائع السماوية، فعلى أي أساس يقوم بعض الآباء بحرمان بناتهم الموظفات من ممارسة حقهن في الزواج والاستمتاع بالحياة؟
مؤسف جدًا عندما تجد بعض الآباء لا يسمح لابنته الموظفة بالزواج، ظنًا منه أنه إذا تزوجت ابنته سيُحرم من مالها الذي يحصل عليه في نهاية كل شهر، وبالتالي سيذهب ذلك المال إلى زوجها، فيفضل الأب جلوس ابنته في بيته بلا زواج، وبالتالي يحرمها من ممارسة حقها الشرعي في الزواج، وهذا في حد ذاته ظلم صريح يقوم به بعض الآباء اتجاه بناتهم طمعًا في دخلهن الشهري.
المتأمل اليوم في أحوال المجتمع العربي والإسلامي يجد هناك الكثير من النساء اللاتي فاتهن قطار الزواج، ودخلن مراحل العنوسة، بسبب رفض آبائهن تزويجهن؛ بل وبعضهن لم يتزوجن إلا بعد وفاة آبائهن، مما يجعل هذا التصرف جريمة في حق المرأة التي كرمها الله وأجلها، وجعلها نصف المجتمع. وعندما يزور البعض أروقة المحاكم، يجد هناك الكثير من القضايا التي تشكل ابتزازًا واستحواذًا على أموال النساء من قبل الأقارب؛ حيث يتم حرمان المرأة من مالها وممتلكاتها، واستغلال ضعفها في أسرتها ومجتمعها، فكم هناك من أخ منع أخته من استلام حقها من ميراث أبيها، ولم يسمح لها بالشكوى؛ لأن المحاكم كما يعتقد هي ليست للنساء، والمرأة ليس لها من دنياها إلا بيتها فقط لا أكثر، أما المطالبة بحقوقها فذلك عار عليها وعلى أسرتها ومجتمعها، وبالتالي يجب عليها أن لا تطالب بحقوقها أو حتى الحديث بذلك.
هكذا يمارس البعض ظلمه غير المُبرر في حق المرأة، التي كرمها الله وأعزها وجعلها نورًا مضيئًا من أنوار المجتمع البشري الذي يحتوي على الحنان والعطف واللطف والعطاء أينما كان.
إن الشارع المُقدس يعترف بحق المرأة في التصرف بأموالها؛ بل ولا يجيز لأي كان التصرف بحقها وممتلكاتها إلا بإذنها، ومع كل ذلك فإنَّ الشارع المقدس كما ينهى عن التصرف بأموال المرأة فإنِّه يُشجعها على مساعدة أُسرتها وزوجها، خصوصًا إذا كانت اُسرتها من محدودي الدخل.
فهنيئًا للمرأة المُوظفة التي تُعين زوجها ووالداها وإخوتها برضاها وطيب خاطرها وقناعتها، فذلك من عظيم أخلاقها، وليس فرضًا واجبًا عليها، فكم هي عظيمة عندما تُساهم في خدمة زوجها بما تستطيع، وقد روي عن الإمام الصادق أنَّه قال: "مَا مِنِ اِمْرَأَةٍ تَسْقِي زَوْجَهَا شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ إِلاَّ كَانَ خَيْراً لَهَا مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ، صِيَامٍ نَهَارُهَا وَقِيَامٍ لَيْلُهَا، وَيَبْنِي اَللَّهُ لَهَا بِكُلِّ شَرْبَةٍ تَسْقِي زَوْجَهَا مَدِينَةً فِي اَلْجَنَّةِ، وَغَفَرَ لَهَا سِتِّينَ خَطِيئَةً".
لنتأمل قليلًا، مجرد شربة من الماء تسقيها الزوجة لزوجها من باب خدمته والوقوف معه، يمنحها البارئ- عزّ وجلّ- عبادة سنة كاملة، ويبني لها مدينة في الجنة، ويغفر لها 60 خطيئة، فكيف إذا وقفت مع زوجها وأهلها بمالها، حتمًا سيكون الأجر أعظم من قبل الله تعالى، فقد روي عن الإمام الصادق أنه قال: سَأَلْتُ أُمَّ سَلَمَةَ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه عَنْ فَضْلِ اَلنِّسَاءِ فِي خِدْمَةِ أَزْوَاجِهِنَّ، فَقَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: "مَا مِنِ اِمْرَأَةٍ رَفَعَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا شَيْئاً مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ، تُرِيدُ بِهِ صَلاَحاً، إِلاَّ نَظَرَ اَللَّهُ إِلَيْهَا، وَمَنْ نَظَرَ اَللَّهُ إِلَيْهِ لَمْ يُعَذِّبْهُ".
أخيرًا تبقى المرأة، هي الطبيبة المحترمة، والمديرة المتفوقة، والمهندسة الناجحة، والوزيرة المتألقة، والمسؤولة المبدعة، التي تشكل نصف المجتمع بل هي السبب الرئيسي في تربية الأجيال، وكما قيل عنها:
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها// أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ
فقد عرفت المرأة بجهودها المتواصلة والمتميز في خدمة أسرتها ومجتمعها ووطنها في مختلف المجالات الاجتماعية والأسرية والوطنية، فأصبحت بذلك تتحمل المسؤوليات الجسام متفوقة في كثير من الأحيان على الرجال، فصار احترامها واجب شرعي، وابتزازها وسلب حقوقها سخط إلهي.