التعاطف مع النفس

رحمة بنت منصور الحارثية

إخصائية نفسية

التعاطف مع النفس، يعني أن يُعامل الشخص نفسه بنفس القدر من اللُطف والتَّفهم والحب الذي يمنحه الآخرين،  فكل إنسان معرض لابتلاءات لا أحد يحيا حياة مكتملة من كل النواحي، وكلما وضع الفرد هذه القاعدة في باله هانت عليه الظروف.

كثير ما نسمع فلاناً تعرض لابتلاء ما، قد يجد القارئ نفسه بين السطور، اطمئن لست لوحدك من تعرَّض لحادث أو فقد عزيزاً أو صُدم بصديق أو مرَّ بتجربة حب لم تنجح أو تيتم مُبكراً أو ضحى من أجل الآخر أو تعرَّض لخيانة ما أو تزوج رغماً عنه أو هجرها زوجها أو تزوج بأخرى دون علمها، أو توفيت زوجته، أو زوجها أو تعرض لقسوة أو عاش وحيداً، أو عانى الفرقة، أو عاش في أسرة تعرَّضت للطلاق، أو فقد أحد أطرافه أو حاسة ما أو تعرض  لخسارة  أو فقد عمله ولازال معطاءً أو تعرض لنكبة أو تعرض لظلم أو اتِّهُم زوراً أو تمنى تخصصاً ما ولم تسمح له الظروف  أو مرض هو أو قريب لديه أو تعرض لتحرش أو لإساءة  وغيرها الكثير.. مهما كان السبب الذي أحزنك وأقلقك وأخافك وأحبطك وخذلك وسهّرك ووترك، قف من جديد، وكن رحيماً مع نفسك.

التحديات التي تعرضت لها أصبحت ماضياً، والتجربة كفيلة بأن تُحسن من قدراتك على التحمل والتخطي، قاوم سيل الأفكار التي قد تراودك، تخطيك الأزمة سريعاً ليس ضعفاً، في الغالب شعور ينتاب من يتمالكون قواهم بتخطي الأزمات شعور بالضعف وأفكار وتساؤلات ومنها لم تخطيت الأزمة رغم صعوبتها؟ لم لم أتوشح ثوب الحزن؟ لم الأمر لم يجعلني قاسياً؟ لم تناسيت بتلك السهولة؟ لما لم  أكن  قوياً ؟ لماذا نسيت؟ كان الأحرى أن ألبس ثوب الحزن وفاءً؟ لم أنا طيب لابُد أن أتغير؟ أسئلة عديدة تدور في الذهن  لترمي بالشخص في قاع عميق وتجعله في دوامة لا هو خرج من ما هو فيه ولا هو بدأ الهمة ليُقاوم.

تشير الأبحاث إلى أنَّ الأشخاص الذين يتعاطفون مع أنفسهم تكون لديهم مرونة ومقدرة لاستعادة سلامتهم العاطفية، والتعاطف مع النفس يجعل التعافي من الأزمات أسرع بعون الله، فعندما يرى الإنسان موقفَ حزنٍ لشخص ما، أول ما يتبادر في نفسه هو المُواساة والتعاطف، لكن ماذا لو كان الشخص المحتاج للتعاطف هو الفرد نفسه؟ ماذا عليه أن يفعل؟!

لابُد أن يكون سخياً مع نفسه، ولنتخيل معًا مثلثًا ونسميه "مثلث التعاطف"، بقدر حاجة الآخرين للتعاطف لنجزم الأولويات، الضلع الأول للمثلث هو أن الشخص بحاجة أن يتعاطف مع نفسه أولاً، الضلع الثاني هو الأسرة التي هو بحاجة لأن يتعاطف معها، أما الضلع الثالث فهو أن يتعاطف مع الآخرين.

لنسأل أنفسنا متى آخر مرة تعاطفنا مع أنفسنا؟ في الأغلب قلّما. متى آخر مرة تعاطفنا مع أسرتنا؟ في الأغلب نادرًا! متى آخر مرة تعاطفنا مع الآخرين؟ في الأغلب كثيرًا.

كل أضلاع المُثلث لها أهمية وتشكل توازناً في العلاقات وخير الأمور الوسط، جلد الذات يُورث البؤس، عندما تُنتقد النفس وتُتَّهم بأنها السبب فيما حصل- وسيحدث- يشعر الشخص بالتعاسة ويعيش في قوقعة مظلمة، تاركًا كل المسؤوليات ويكون حبيس اللحظة. وتصير ردة فعل بالعادة بعد ظرف تعرض له شخص ما، يلجأ لطريقة تحقق له سعادة وقتية، سرعان ما تنتهي وتعود له أفكاره. مثال شخص تعرض لأزمة عاطفية أو خيبة أمل في شيء توقع له الكثير ولم يُكلل بالنجاح وقرر ألا يهتم بشيء وعكف على سلوكيات مُعينة لم تزد حاله إلا ضرراً جسدياً ونفسياً، طريقة عقابه لنفسه سيتكبد مضارها هو. لكن ماذا لو تعاطف مع نفسه وجبلها على سلوكيات تعود عليه بالإيجابية؟ مثل تقدير النفس ودرجة التقييم للشخص لنفسه على أدائه؛ أي يعتبر نفسه حكماً من خلال تفاعله مع الآخرين ومشاعره وقدراته ومهاراته بتقييم إيجابي أو سلبي. فعندما يقيم الإنسان نفسه جيداً يساعده ذلك على تطوير ذاته.

إن أهمية التعاطف مع الذات تتمثل في إعادة البناء المعرفي الإيجابي الذي يهدف لتغيير وجهة نظر الشخص في الظروف التي مر بها؛ ليسهل عليه أن يراها من زاوية إيجابية، ويساهم في التكيف ومواجهة الضغوط ومن ثم خلق التوازن في إدارة انفعالاته بسهولة. وأهداف التعاطف مع الذات تتمثل في الاستقرار العاطفي وتقليل القلق وتعزيز الشعور بالرضا والتقبل والاعتراف بمكامن القوة والضعف وعدم تضخيم الأمور والمبالغة لتجنب الأمراض النفسية والجسدية.

وأُسس التعاطف مع النفس هي أن يستوعب الشخص أنَّ هناك ألم نفسي وجسدي وأن ما مرَّ به من ظرف لم يمر به لوحده دون جميع البشر، إلى جانب التعامل بلطف مع النفس وغمر النفس بالإيمان بأنَّ كل ابتلاء لحكمة يعلمها الله. على الإنسان أن ينظر نظرة رضا ورحمة ولطف وحنان لنفسه بدلاً من نظرة القسوة واللوم، وعليه أيضاً ألا يحرمها من بصيص الأمل وألا يعرضها لشتى صنوف التعب النفسي والجسدي، فيدخل في مُعاناة تلحق به الأذى وبمن حوله.. دمنا بتعاطف مع أنفسنا وبنفوس مستقرة.

تعليق عبر الفيس بوك