تمكين الشباب

 

علي بن حمد المسلمي

aha.1970@hotmail.com

 

بلد حباه الله بكثير من النعم، بحره وبره وسهوله وجباله، متعدد التضاريس والمناخات والدعوة الصادقة التي دعاها نبي الرحمة لأهلها "اللهم وسّع لهم وعليهم في ميرتهم، وكثّر خيرهم في بحرهم".

شعبٌ مُتعدد المناقب، شهد له النبي الأكرم، "لو أنَّ أهل عُمانَ أتيتَ، ما سبُّوك ولا ضربوك" والخلفاء من بعده الذين أستوصوا وأستبشروا بهم خيراً؛ كأبي بكر الصديق- رضي الله عنه- حين قال: مُخاطباً وفد التعزية إلى المدينة والثناء عليهم إبّان دعوة الرسول لهم "وجشمتموه ما جشمه غيركم من العرب، ولم ترموا بفرقة، ولا تشتّت شمل، فجمع الله على الخير شملكم".

وفضلهم في العلم منذ الصدر الأول للإسلام؛ حتى قيل فيها القول الشهير"باض العلم بمكة، وفرخ بالمدينة وطار إلى البصرة، ثم نهض إلى عُمان" فليس بغريب أن تقال هذه المقولة؛ فجابر بن زيد الأزدي حوى سبعين بدرياً، والإمام الربيع بن حبيب الفراهيدي صاحب كتاب مسند الإمام الربيع في رواية الحديث، والخليل بن أحمد الفراهيدي واضع علم العروض، وأحمد بن ماجد أسد البحار، وابن الذهبي عبد الله بن محمد الأزدي الصحاري وهو "عالم مشارك في الطب والفقه والكمياء"، وراشد بن عميرة الرستاقي في الطب، جُلهم علماء كبار أَثْرُوا العلم كل في مجال اختصاصة في الفقه واللغة وعلم البحاروالطب والكيمياء.

 وهناك قضاة كبار؛ ككعب بن سورقاضي البصرة في عهد الفاروق عمر- رضي الله عنه- والقادة العظام أمثال: عبد وجيفر والمهلب بن أبي صفرة.

وكذلك هناك أئمة قادة كالإمام ناصراليعربي وأحمد البوسعيدي، وربّانيون كالإمام الوارث بن كعب الخروصي والإمام سالم بن راشد الخروصي والإمام محمد بن عبدالله الخليلي، وعلماء محققون كالعلامة سعيد بن خلفان الخليلي، وموسوعيون كالعلامة أبي مسلم البهلاني والشيخ العلامة أبي نبهان جاعد الخروصي والعلامة أبوبكر أحمد بن عبدالله بن موسى الكندي، وفي وقتنا الحاضر العلامة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي- حفظه الله وأمد في عمره- والشيخ القنوبي العالِم في الحديث والسنة النبوية.

وسلاطين عظام كوّنوا إمبراطورية عظيمة امتدت إلى شرق أفريقيا كالسيد سعيد بن سلطان البوسعيدي، وأما السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- فقد مد جسور السلام إلى العالم الخارجي.

بلد بمورثه الإنساني الحضاري والعلمي والثقافي المادي وغيرالمادي الذي أثَّر وتأثر وأثرى الحضارات الأخرى ووصل تُجاره إلى كانتون بالصين في فترة مبكرة ونشر الإسلام والعلم والثقافة في مختلف الأقطار ولا زالت موروثاته الحضارية في تلك البلدان شاهدة عيان على أصالة حضارته ورقيه في التعامل مع الآخرين يشهد له القاصي والداني.

إنه لحريٌ أَنْ يُمكن الشباب العُماني من معرفة تاريخه التليد ليبني حاضره المجيد ليحافظ على منجزاته المكتسبة ولا سيما الأخلاقية والعلمية والثقافية والمادية منها ليصون بها مكتسبات الحاضرالمعنوية والمادية، في ظل عالم متجدد ومتغير تكتنفة الأزمات وتعصف به التقلبات وتؤثر فيه المدخلات مما تجعل البلدان عرضة للتأثر والتأثير ويتسم بالتدفق المعلوماتي والسبرياني والذكاء الاصطناعي من خلال بث الوعي الثقافي والعلمي والتطبيقي بمنجزات أجدادهم الأخلاقية والعلمية والأدبية والمادية، من خلال تضمين ذلك في المناهج الدراسية بالمدارس والكليات والجامعات بأسلوب علمي قصصي وثائقي تشد أذهانهم وتشرئب له نفوسهم وتتعمق في وجدانهم وكيانهم.

وكذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية ووسائل التواصل الاجتماعية الحديثة وفي منابر المساجد بالجمع والجماعات وفي الندوات والمحاضرات والمجالس العامة والزيارات الميدانية للمتاحف والقلاع والحصون والمساجد والأفلاج والرحلات العلمية إلى الأماكن التي أبحر فيها العمانيون عباب البحار والمحيطات وأقاموا فيها ليقتدوا بسيرهم ويلتمسوا طريقهم ليواجهوا معترك الحياة بصبر وجلد وبُعد نظر فيما يرونه ويسمعونه ويشاهدونه ويفعلونه في يومهم وغدهم ويعتزوا بموروثهم بفكر وأدب ليرسموا لأنفسهم مسار الحاضر والمستقبل دون تأثر بما تقذفه المؤثرات الخارجية من تأثير ليبقوا بعيدين محصنين عن البلوى والفتن ويكونوا مؤثرين لا متأثرين ويشقوا طريق الحياة بلا وجل للاقتداء بهم والسير على نهجهم والتجديد والتطوير لرسم معالم الطريق لغيرهم وتمكينهم مما تمكنوا هم فيه.

وكما قال العلامة محمد إقبال "إن المسلم لم يخلق ليندفع مع التيار، ويواكب الركب البشري حيثما اتجه وسار؛ إنما خُلق ليوجِه العالم والمدنية، وليفرِض عليها إرادته ويُملِي عليها اتجاهه".

تعليق عبر الفيس بوك