تعيين مُراقب عام للدولة

 

حمد بن سالم العلوي

لقد سبق وأن كتبتُ مقالة في أبريل من عام 2012 بعنوان "نُريد مفتشًا عامًا للدولة" ونشرتها في جريدة الوطن في عمودي الأسبوعي "عين على الوطن"، واليوم أُعيد طرح نفس الفكرة، ولكن تحت عنوان "مُراقب عام سلطنة عُمان" أو أي مُسمى آخر مناسبًا لهذه المُهمة، وقد يكون تمخض عن تلك الفكرة- وقتذاك- جهاز "تنفيذ" وهنا لا أقترح إلغاء هذا الجهاز، وإنما أن يُضم إلى جهاز أعم وأشمل وأوسع.

الفكرة الجديدة لا تتوقف عند مُراقبة وتوجيه ومحاسبة الجهاز الحكومي وحسب، بل تشمل كذلك الشركات القيادية للاقتصاد والتجارة في السلطنة، فعسى ولعل أن ينفع هذا المقترح في تضييق المتاهات التي تضيّع وقت بعض المؤسسات بالبيروقراطية الإدارية، والسلوكيات المتوارثة من ممارسات سابقة، وهذه الفكرة قديمة وكان معمولًا بها في تاريخ عُمان، وكان يُسمى أصحابها بـ"جماعة الشراة" أي الجماعة الذين اشتروا أنفسهم بطاعة لله، فيقومون بأمور الحسبة أو المحاسبة لكل من يخرج عن جادة الحق.

إذن.. إحياء موروث نافع في خدمة الحق والعدل، بحيث تُطلق يد هذا الجهاز الرقابي العام، بداية في المؤسسات الرسمية والشركات الحكومية، فعلى سبيل المثال؛ أن يُؤتى إلى وزارة من الوزارات فيُقيّم أداؤها من خلال قمة هرمها، فيُنظر إلى النهج المُتبع في إدارتها، فهل تلتزم بما أسند إليها بموجب القوانين والأنظمة، والتوجيهات السامية التي ترد في الخطابات الرسمية التي يلقيها جلالة السُّلطان المُعظم في المناسبات الرسمية؟ والتي من خلالها ترسم السياسات العامة للدولة، فيقارن بين تطبيق هذا التوجيه الآتي من مصادر التشريع، والتوجيهات السامية مع قيمة الإنتاج، وذلك من خلال الوقوف على الأرقام والرسوم البيانية، والتقارير الدورية، فإن عُثر على نجاح يُشاد بتلك الجهة، ويُعلن ذلك في مُؤتمر صحفي سنوي أو نصف سنوي، وعلى نفس الجهة أن تُفصح عن خططها للعام القادم، أو الأعوام القادمة، أما إن اتضح وجود إخفاقات وتقصير، فتُحاسب عليها مُباشرة أو تُمهل للتصحيح، وأن يكون لكل جهة مُراقب فرعي لمقياس الجودة الشاملة، تكون مرجعيته جهاز المراقب العام، على أن يبادل بين المراقبين سنويًا، حتى نضمن الحياد والمصداقية.

وهكذا يكون الحال مع كل الشركات الوطنية القيادية، أما شركات الاستثمار الأجنبي، فتكون تحت إشراف ورقابة وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، على أن ترفع تقرير سنوي أو دوري إلى جهاز رقابة عامة أو عليًا أو أي كان المسمى، حتى تقف الدولة على جدية وجدوى شركات الاستثمار الأجنبي على اقتصاد السلطنة، على أن يوضح ذلك في شروط الاستثمار الأجنبي، بحيث تكون الاستفادة مُشتركة بين الطرفين، وإلا فلا جدوى.

لكن يجب أن يتم اختيار رئيس هذا الجهاز بعناية تامة، بحيث يكون الرئيس المُختار حازمًا وجازمًا وعادلًا وصاحب قرار مسؤول، ولا تأخذه لومة لائم إلا فيما يخدم المصلحة العُليا للسلطنة، وأن يرفع تقاريره وتوصياته مُباشرة إلى جلالة السُّلطان المعظم- حفظه الله- وبهذه الطريقة لن تجد هناك من يُماطل، أو يتخاذل عن واجب العمل، وأنه يعمل بوضوح وإخلاص للوطن، وبذلك سيقطع دابر التسويف والمماطلة، والتطبيقات الخاطئة، أو تكرار تجريب المجرب، وتكرار الوقوع في مطبات معروفة، وتم تجاوزها من قبل، وسيمنع تحايل الحكومة على الحكومة نفسها من خلال سلوك أساليب غير شفافة، كالتوظيف من خلال شركات ومكاتب خارج السلطنة للعمل في الداخل، وتوظيف أساتذة الجامعات والكليات من خلال طرف ثالث (مثلاً)، بينما عُمان تزخر بالكفاءات القديرة، والناس يشكون من بطالة في العمل، والباحثون عن العمل يقدرون بعشرات الآلاف، في حين يتم التركيز على الوظائف الدنيا والهامشية كسائق وموظف استقبال ومندوب تخليص معاملات، فهذا ليس إحلالاً بالمعني الصحيح، ويغفل أو يتغافل عن القيادات العُليا والوسطى، فتظل حكرًا على الوافدين، وكذلك التجارة والاقتصاد الوطني في غير أيدي العُمانيين.

إذن لا يكبح هذه البيروقراطية الإدارية إلا شخصية معروفة بالجدية والموضوعية، يُنيبها جلالة السُّلطان المعظم لتكون عينه التي يرى بها الجهاز الإداري للدولة، لكي يتصدى بحزم وقوة لمثل هذه المشاكل التي أصبحت تؤرق الوطن ككل، وذلك حتى تستقيم الأمور على جادة الصواب والاستقامة في العمل، وإلاَّ ظن البعض إن المسألة لا تعدو أن تكون غنيمة من الغنائم، قد جاد بها الزمان عليهم، فأغتنموها؛ لأنها لا تتكرر إلا بحِمَى الوظيفة العامة، ومثل هؤلاء الذين تمت توليتهم بالاختيار، فيجب أن يعزلهم الإخفاق في الإختبار، وعُمان النهضة المُتجددة، ملأ بالرجال الأكفاء المخلصين، ولكنهم قد يذهبون ضحية عدم وجود الطريقة المناسبة لإبراز أشخاصهم، ونفس الكريم لا تقبل منه أن يعرض نفسه للعمل بالكلام، فيجب أن يُبحث عمّن لديه القدرة والكفاءة والرغبة في تحمل المسؤولية، وأن تكون شخصيته مطعَّمة بالصفات القيادية والخبرة المجرَّبة، فليس الشهادات العلمية وحدها من يشفع للمسؤول حتى يكون مسؤولًا ناجحًا.

إن نظام "المُراقب العام للسلطنة" إن استُحدث سيكون خيرَ معينٍ لجلالة السُّلطان والدولة، فهناك المسؤول الذي يحتاج إلى النصح والإرشاد والتوجيه، وآخر يحتاج إلى فريق استشاري يُساعده على القيادة والإدارة، وآخر تنقصه الخبرة والممارسة العملية، لذلك فإن نظرية المسؤول النازل على الوظيفة بـ"الباراشوت" قد تضعف العطاء في العمل، وتخفض من ثقة الناس فيه، خاصة عندما يقتنع هذا المسؤول، بأنه يجب أن يكون قد عرف كل شيء، بمجرد صدور قرار تعينه، فيظن إنه بقرار التعين أخذ لقاح المعرفة والفهم، وإنه أصبح سيد الفاهمين، ولا يُريد أن يستفيد من خبرات ممن سبقوه، وربما يرث تركة ليس فيها ذي رأي صائب، إذن العملية تحتاج إلى مراجعة ومراقبة، وتهيئة صف ثانٍ.. وثالث لتولي المسؤولية الآن والمستقبل، وهذه مهمة "الحَكَم" الذي سيقوم بدور المُراقب العام للسلطنة .. هذا والله من وراء القصد.