سالم كشوب
من العوامل التي تُؤدي إلى هجرة الكفاءات في كثيرٍ من الجهات سواء الحكومية أوالخاصة بخلاف المردود المالي هي المحسوبية التي تضرب بكافة القوانين والأعراف عرض الحائط، وبدون أي مُبررات واقعية أو منطقية مجرد فقط مزاج المسؤول في الفئة التي يكون راضياً عنها بغض النظر عن كفاءتها وإنتاجيتها في العمل، وفي نهاية المطاف يكون دائمًا حجة المسؤول نُعاني من ندرة الكفاءات الوطنية، وهو بالأساس جزء كبير في هذه المشكلة، طالما أنَّه لا ينتهج معيار الشفافية في الاختيار، وعدم تطبيق مبدأ العقاب والثواب في العمل على الجميع وبالتالي انخفاض الرغبة في الإنجاز والتميز ومجرد إتمام الأعمال الروتينية البسيطة.
أمر للأسف يتكرر في العديد من الجهات وهو استمرار العزف على نفس السيمفونية من قبل بعض المسؤولين بأهمية الاجتهاد، والجميع تحت المُتابعة والاهتمام وفق مؤشرات علمية، وفي النهاية هناك من يحظى بالمكافأة والدورات والمناصب هم الفئة المرضي عنها ليس لكفاءتها وتميزها، وإنما لأنهم من الفئة المُقربة من صانع القرار، أو أنَّهم يجيدون فن النفاق والتملق ونقل المعلومات للمسؤول عن زملائه الموظفين، في مُعادلة تتكرر فصولها وبشكل يُولِّد مشاعر من الإحباط والغضب؛ لانعدام الشفافية والعدالة الوظيفية. وعند مُواجهة المسؤول يكون الرد بمبررات غير منطقية، وأحيانًا ينفعل وكأنَّ الموظف عندما يسأله عن سبب هذا الإجحاف المكشوف يتهمه في أموره الشخصية، وهذا الانفعال سببه عدم وجود معايير واضحة وعادلة يستطيع من خلالها المسؤول الرد بكل ثقة عن سبب الاختيار، ولأنه يعرف في قراره نفسه أن قراره نابع من اختيار شخصي لا يستند لأي معيار واضح والمحصلة في النهاية نماذج غير قادرة على إظهار المؤسسة بكل كفاءة واقتدار واحترافية.
قد يقول البعض إنِّه على أي موظف مهما أحس بالظلم وعدم التقدير أن يُؤدي عمله على أكمل وجه، ويتحلى بالأمانة والضمير، وهذه نقطة نتفق عليها، لكن المقصود في هذا المقال هو أهمية وضع الشخص المُناسب في المكان المُناسب وفق معايير لاتدخُل فيها المحسوبية والانحياز لفئة من الموظفين بسبب ولاءات مُعينة أو تصفية حسابات أو مزاج شخصي بحت، وبالتالي عندما تغيب المعايير والنظم العادلة وتكون الصلاحيات مُطلقة لمسؤول دون مراقبة أو مساءلة تكون المحصلة خللاً في الأداء لانعدام الكفاءة والقدرة على إنجاز الخطط والبرامج وغياب الحلول وضعف اتخاذ القرار في التوقيت المناسب.
المضحك المُبكي في نفس الوقت أحيانًا وفي ظل انعدام المعايير العلمية في الاختيار للدورات التدريبية الخارجية والمشاركات الخارجية في مختلف الفعاليات، يعكس المشاركون الذين يتم اختيارهم صورة سلبية عن مُؤسساتهم عند المشاركين الآخرين من مُختلف الدول نظرًا لعدم قدرتهم على الإبداع والتميز والحديث وكأنهم مبتدئين في العمل، مما يرسخ في الأذهان- للأسف- صورة نمطية سلبية ليس عن تلك الجهة، وإنما عن واقع قطاع بأكمله بسبب سوء الاختيار وانعدام المصداقية، والأدهي من ذلك تكرار اختيار أشخاص معينين بشكل مستمر وكأنَّه لا توجد كفاءات غيرهم لتلك المشاركات في صورة مُستفزة وتعكس حال بعض الجهات ونمط أومسار اتخاذ القرار فيها أو إظهار عجزها في تأهيل وتدريب صف جديد من الموظفين القادرين على إظهارها بكل احترافية وتميز.
أخيرًا.. نتمنى أن يكون قانون الوظيفة العمومية الجديد يحمل في طياته مواد يكون فيها الاختيار وفق معايير تتسم بالشفافية والوضوح واختيار الأكفأ والأجدر، وعدم ترك المجال للاختيارات الشخصية. كذلك من الأهمية بمكان أن يكون التقييم السنوي للموظفين وفق معايير علمية وواضحة يتم من خلالها مكافأة المجتهد ومُحاسبة المقصر، وألا تدخل فيها المحسوبية. كما أنَّ استمرارية المسؤول تكون وفق معايير الإنجاز والتميز وتحقيق الأهداف، وليس منصبا مخلدا يضمن عدم المساءلة والمحاسبة ولا يستطيع أحد بفضل كفاءته وأحقيته أن يحل محله وأهمية النظر إلى مصلحة العمل وليس المصلحة الشخصية التي تحمل في طياتها نتنائج سلبية كثيرة، تؤثر على جودة الخدمة وكفاءة المؤسسة وقدرتها على الإنجاز وتحقيق الأهداف والتطلعات التي يتوقعها الجميع منها.