استحقاقات 2040.. بورصة مسقط أنموذجًا

د. يوسف بن حمد البلوشي
yousufh@omaninvestgateway.com

لا يخفى على أحد أنَّ الرؤية المستقبلية "عُمان 2040" تسعى إلى تحقيق نقلة نوعية في النموذج التنموي، وسيكون حشد المدخرات وتوجيهها للعملية الإنتاجية أمرا ضروريا ومفصليا؛ لذلك يجب أن تسهم بورصة مسقط بدور جديد غير الدور التقليدي الذي مارسته خلال العقود المنصرمة، المبنية على نموذج ريعي نفطي، مكّن الحكومة من أن تكون اللاعب الأوحد في الاقتصاد؛ في التشغيل والاستثمار وتقديم الخدمات. 
فثمَّة ضرورة حتمية أن يدرك القائمون على بورصة مسقط الديناميكيات والأدوار والأدوات الجديدة وبما يتناسب مع النموذج المُستهدف.
يحمل المرسوم الخاص بتحويل سوق مسقط للأوراق المالية إلى شركة مغلقة باسم بورصة مسقط العديد من الغايات التنموية التي تتماشى مع أفضل المُمارسات العالمية في هذا الشأن بما سينعكس في زيادة الثقة لدى المستثمرين. والفصل بين الجانب التشريعي لهيئة سوق المال والجانب التنفيذي لبورصة مسقط. والجدير بالذكر أنه وعلى الرغم من أن بورصة مسقط في السلطنة يعتبر من الأسواق الجيدة في جانب الهيكلة والبنية التحتية القانونية والتقنية إلا أن دوره في التنمية الاقتصادية، باعتباره أحد مصادر حشد التمويل للأنشطة الاقتصادية والاستثمارية، لا يزال محدودا ونجاحاته لا تزال مُتواضعة. ومن المهم التأكيد هنا على أن رأس المال عنصر أساسي في عملية النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية حيث يصعب تحقيق معدلات تنمية مطردة في ظل غياب التكوينات الرأسمالية. وتعمل أسواق رأس المال على مراكمة المدخرات الخاصة والعامة وإعادة توجيهها نحو القنوات الاستثمارية المختلفة. وتقوم بتوفير السيولة المالية للقطاعات التي لا تتوفر لديها تلك السيولة للنهوض بأعمالها. وتتلخص وظائف أسواق رأس المال بحفز المدخرات وتمويل الأنشطة الإنتاجية، وزيادة حجم الاستثمارات ورفع إنتاجيتها، إلى جانب زيادة كفاءة تخصيص الموارد المتاحة.
لا شك أنَّ هناك حاجة ملحة لإجراء تحوّلات في السياسات المالية العامة المطبقة حالياً والتي حجمت دور سوق رأس المال، ويظهر ذلك بشكل جلي في عملية تمويل المشاريع التنموية، والتي تميل فيها الحكومة إلى تمويلها بشكل انفرادي؛ إما بالاقتراض المحلي أو الخارجي عن طريق إصدار السندات، أو بوضع مخصصات مالية في الميزانية العامة للدولة. ومعظم الشركات التي طرحت في سوق مسقط للأوراق المالية هي عبارة عن بيع لحصة الحكومة في تلك الشركات تلبية للمطالبات بتخصيص الأصول العامة، وليس لتلبية احتياجات تمويلية يتطلبها التوسع في نطاق عمل تلك الشركات.
كذلك فيما يتعلق بالسياسات المتبعة في الهيئة العامة لسوق المال لإدارة القطاع، ويلاحظ أنَّ جهود الهيئة كانت مركزة على تطوير البنية التشريعية والرقابية المتعلقة بتنظيم قطاع سوق رأس المال، إلى أن وصلت إلى مستوى مُتقدم محل إشادة من الجميع. وذلك إنجاز رائع، ولكن تأثيرها كان غير ملموسٍ على نمو القطاع وتأثيره في التنمية الاقتصادية. ولعل سياسة التركيز على الجانب الرقابي على حساب الجانب المرتبط بدور القطاع في التنمية الاقتصادية، تسبب في خلق عراقيل في وجه المتعاملين والمستفيدين من قطاع سوق رأس المال، وساهمت في الأحجام عن التوجه للقطاع عند الحاجة إلى تمويل، كما أثّرت بشكل كبير في مستوى أداء شركات الوساطة. وأدت إلى خلق حالة التشريع الزائد، وهذه الحالة عادة ما تؤثر سلباً في نمو القطاعات.
هناك عامل مُهم مرتبط بضعف الوعي الاستثماري لدى شريحة كبيرة من المواطنين، فالسمة العامة للمجتمع العماني تسيطر عليها الصفة الاستهلاكية أكثر من الادخارية والاستثمارية. ويبقى خلق شريحة واعية بالاستثمار في الأوراق المالية تحديا كبيرا كون أن ذلك يعتبر الأساس في خلق طلب على منتجات قطاع سوق رأس المال.
وفي إطار التحولات والديناميكيات العالمية والمحلية هناك حاجة إلى تدشين المزيد من الأدوات والأوعية المالية؛ كمنصة للتمويل الجماعي، وما يرتبط بها من بيئة تشريعية بما يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية؛ وذلك لتعزيز قدرة بورصة مسقط على التغلب على تحديات تمويل القطاع الخاص والذي بلاشك يمثل القاطرة الأهم في المستقبل.
وهناك حاجة ضرورية أيضًا لمُعالجة عدم تعمق السوق؛ فالأسهم المتاحة للتداول ضئيلة، وذلك مؤثر بشكل سلبي في عمق السوق، وبالتالي في جاذبيتها بالنسبة للمستثمر المحلي أو الأجنبي. وفي نفس السياق هناك حاجة لتعزيز نشاط السوق الأولية، فالإصدارات الأولية ضئيلة جدا وتكاد تكون معدومة خلال السنوات القليلة الماضية، وربما كان للنقطتين الأولى والثانية تأثير مباشر على نشاط السوق الأولية.
إن تحويل سوق مسقط المالي إلى شركة مقفلة، ما هو إلا خطوة أولية ضمن خطة استراتيجية بعيدة المدى تستهدف الدخول في شراكات مع القطاع الخاص ليكون شريكاً في تطوير وإدارة السوق المالي، كما هو الحال في الدول المتقدمة، لكن هناك طريق طويل حتى يصبح السوق المالي عاملَ جذبٍ للشراكات الاستراتيجية، يتضمن العمل الجاد على تطوير السوق وتعميق رأس المال وتنويع الأدوات حتى نكون قادرين على الحصول على عائد مالي جيد إذا ما تقرر فتح الباب أمام القطاع الخاص ليكون شريكاً في عملية التطوير. 
ويلاحظ قلة عدد المنتجات الاستثمارية، فحالياً يتركز التعامل في سوق الأوراق المالية على الأسهم والسندات والصكوك ووحدات الصناديق، وهناك حاجة ماسة لتنويع المنتجات وخاصة تلك المتعلقة بصناديق الاستثمار. ويلاحظ قلة الصناديق الاستثمارية المدرجة في السوق والتي تتيح لشركات الاستثمار الدولية فتح فروع لها بالسلطنة من مختلف الدول وفي العديد من القطاعات ذات الأولوية والقيمة المضافة، الأمر الذي سيُساهم في توفير رأس المال الضروري للتنمية المحلية والأهم التسويق للسلطنة كبيئة استثمارية واعدة واجتذاب قوائم عملاء تلك الصناديق الاستثمارية. 
وختامًا.. السؤال المهم الذي ستكشف المرحلة المقبلة عن إجابته: هل سنرى في بورصة مسقط تحولًا هيكليًا وقفزة نوعية في الأداء بفكر جديد أكثر فاعلية في الأداء؟ ليصبح أداة مهمة لتوفير التمويل للمشاريع التنموية وخلق شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص وتوفير فرص استثمارية لصغار المستثمرين؟!