إدراك الفساد

 

فاطمة بنت سليمان البلوشية

تخرجتُ في جامعة نورث كارولاينا قرينسبورو بالولايات المتحدة، تخصص "صراع وسلام"، وبكالوريوس دراسات ليبرالية في شؤون التنمية والعلاقات الدولية، بمعدل مُمتاز، وكنتُ الأولى على الدفعة وبمرتبة الشرف، لكن لم يُعترف بتخصصي في السَّلطنة.

قدمتُ على إكمال الدراسة بمرحلة الماجستير تخصص "مكافحة الفساد"، وحصلت على قبول في أقوى جامعات أمريكا: جامعة دوك، لكن لم تتم المُوافقة على التخصص من قبل وزارة التعليم العالي.

وعلى الرغم من تحديد الفساد باعتباره أحد العوامل الرئيسية التي تُغذي الظلم، والنزاع البشري وعدم المساواة وتقويض الديمقراطية في العديد من البلدان، يتم ربط العديد من البلدان التي يوجد فيها صراع بشري واسع النطاق، وكذلك الإرهاب بالفساد مع ضعف المؤسسات الحكومية، حيث سقطت مؤسسات اقتصادية وسياسية ضحايا للفساد المستشري، والذي ينتهي به الأمر إلى تقويض السلام والاستقرار العالميين.

ويتمثل دور المؤسسات الحكومية في توفير الحوكمة المناسبة بما يتماشى مع قواعد وأنظمة الدولة، لكن عندما تفشل هذه المؤسسات في تفويضها وتنتهك القواعد، فهناك احتمال حدوث تمرُّد. ويُضعف الفساد من قدرة السلطات الحكومية على القيام بعملها، في بلدان مثل: سوريا وجنوب السودان، حيث ينشأ الصراع المُسلح؛ بسبب عدم وجود آلية حكومية قوية يمكنها تنفيذ القانون (ليش، 2015). لذلك، يخلق الفساد بيئة خصبة لازدهار الصراع؛ لأنَّ الدولة والمؤسسات الأخرى ذات الصلة ليست في وضع يمكنها من منع الصراع أو نشوبه.

وتواجه الديمقراطيات الضعيفة والفاسدة الظلم الاجتماعي وعدم المساواة السياسية؛ حيث يفتقر الناس إلى سُبل الوصول إلى المرافق الأساسية، مثل: الرعاية الصحية، والاحتياجات الأساسية مثل: المياه النظيفة، مما يُؤدي إلى مظالم سياسية واجتماعية.

وكان اندلاع "الربيع العربي" ناتج تفشي مستوى الفساد الذي حرم الناس من الوصول إلى المرافق الأساسية، ونشأ الصراع عندما كافح الناس من أجل حقوقهم في الوصول إلى المرافق الاجتماعية الأساسية (Cheng & Zaum، 2016).

وتُعد المظالم الاجتماعية والسياسية أرضًا خصبة للانتفاضات السياسية، وفي نهاية المطاف الصراع المسلح عندما تتولى مجموعات الميليشيات المسؤولية من الحكومة.

ويقوّض الفساد قدرة المؤسسات الوطنية على ممارسة ولايتها، ففي نيجيريا، تم ربط القادة العسكريين والسياسيين بقضايا الفساد باختلاس الأموال التي من المفترض استخدامها في مكافحة الإرهاب. استمرت الجماعات الإرهابية مثل "بوكو حرام" في النمو نتيجة للفساد المتزايد في المؤسسات الحكومية. ويتم بيع الأسلحة المخصصة للجيش لجماعات إرهابية مثل: حركة الشباب في الصومال، وقد أدى ذلك إلى زيادة النزاع المسلح مع وصول الجماعات الإرهابية إلى أسلحة أكثر تعقيدًا.

إن الفساد يحرم المؤسسات الحكومية الرئيسية مثل: الجيش والشرطة من الموارد، وكذلك نتائج سوء تخصيص الموارد للديمقراطيات الضعيفة. وفي العديد من البلدان الفاسدة، لا تستطيع الدولة توفير الخدمات العامة الأساسية بشكل فعال مثل الأمن، وهذا يؤدي إلى زيادة مستويات الصراع. كما إن شرعية الدولة تكون في موضع تساؤل مما يؤدي إلى استخدام أساليب عنيفة في قلب نظام الحكم. كما يقوض الفساد عمليات السلام. وعندما أرسل حلف شمال الأطلسي "ناتو" قواته إلى أفغانستان، كانت هناك تقارير عن الفساد- بمساعدة الجيش- الذي أعاق عمليات حفظ السلام.

لا يمكن حل النزاعات الدولية دون إنهاء المستوى المتزايد للفساد الذي أضعف باستمرار العديد من الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم، ويجب اتخاذ تدابير وقائية لوضع مؤسسات حكومية قوية محصنة ضد الفساد. وتحتاج الدول إلى تعزيز الشفافية والمساءلة في توزيع الموارد وإدارتها، ويمكن إنهاء الصراع الاجتماعي والسياسي الذي يؤججه الفساد من خلال تعزيز المساءلة في المؤسسات الحكومية.

إن المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة بحاجة إلى سياسات واضحة تعالج قضية الفساد، ويجب معاقبة الدول الفاسدة من خلال العقوبات الاقتصادية من أجل منع نمو الخطر العالمي (سواميناثان، 2019). ووجود تدابير التخفيف الصحيحة مهم أيضًا عند معالجة الفساد، ومنع ظهور أي شكل من أشكال الصراع المرتبط بالفساد. وتحتاج المؤسسات مثل المحاكم إلى العمل بشكل مستقل دون أي تأثير خارجي من أجل ضمان معاقبة أولئك الذين تثبت إدانتهم بالفساد وفقًا لقواعد الدولة. بينما يرتبط الفساد بشكل رئيسي بالدول النامية، يحتاج المجتمع الدولي إلى تطوير سياسات عالمية لمنع نمو الفساد والصراع.

فهل قضية الفساد والصراع لا تحتاج منِّا حلها والانتباه لها، وإعطاءها أهمية في أي دولة تطمح لاحتلال مواقع متقدمة على الخارطة العالمية؟!

تعليق عبر الفيس بوك