ماذا بعد عودة الهدوء؟

 

د. عبدالله باحجاج

نتناول في هذا المقال الإجابة عن التساؤل أعلاه من 3 نقاط أساسية؛ الأولى: تنفيذ التوجيه السامي بتسريع المُبادرات الخاصة بالتشغيل، والتساؤل هنا: كيف ستُنفذ الحكومة هذا التوجيه؟

أما النقطة الثانية فهي: خطوات حتمية لاستدامة الهدوء من خارج سياقات توفير فرص العمل. والنقطة الثالثة: تحديث وتفعيل الإدارة المُكلفة بملف التنويع الاقتصادي. وستكون مرئياتنا وفق خلفية ودوافع تدخُّل المؤسسة السُلطانية لعودة الهدوء.

فعاهل البلاد- حفظه الله ورعاه- قد رسم للحكومة رؤية للعمل عليها، وهي تسريع المبادرات الخاصة بالتشغيل، والمطلوب من الحكومة الآن أن تعمل على بلورة الرؤية، وتحقيق غاياتها بصورة مُباشرة، وفي الآجال الزمنية التي تُعزز الهدوء، وترسخه كحالة مُستدامة، فالتسريع يهدفُ إلى تحقيق هذه الحالة، وهذه هي طبيعة التحدي الوطني لمرحلة عودة الهدوء الآن، وهو ملقى على عاتق الحكومة الآن.

أولًا: الحتمية الزمنية العاجلة لبلورة التوجيه السامي.

هناك 32 ألف وظيفة في القطاعين العام والخاص، ينبغي أن نُسرِّع إجراءات التوظيف فيها عاجلاً، وعلى مدى 6 إلى 7 أشهر، بدلاً من سنة كما كان مُقررًا، وكذلك 10 آلاف فرصة تدريبية... إلخ، لو عملت الحكومة على استحقاقها خلال ذلك الأجل الزمني العاجل، فذلك سيُعبر على الفهم الصحيح للتوجيه السامي، فالقضية العاجلة الآن، تكمن أولًا في الإسراع في الإحلال والتعمين.

هكذا نفهم مفهوم التسريع الموجه من لدن عاهل البلاد- حفظه الله ورعاه- للحكومة، وهذا الفهم مبني على اعتبارين حاكمين هما: مُناسبة التوجيه، وتوقيته. وقد جاءت في لحظة انفجار الاحتقان مُجددًا، وتدخل الخارج فيه، ورسم صورة لا تُعبر عن تاريخية جوهر العلاقة بين المُجتمع وسلطته السياسية. ويقترن فهمنا بالتسريع كذلك وفق السياق الظرفي سالف الذكر، بضرورة تغيير اعتياديات إجراءات التوظيف وشفافيتها، وفق ديناميكية جديدة للتطبيق تُخفف من حدية المركزية، وتكسر حالة الكواليس التي تتم فيها عمليات التوظيف، ليس تشكيكًا فيها، وإنما؛ لأنها من حتميات الثقة، ومن مُسلمات إدارة الأزمات، وكذلك تجعل من الانشغالات الإقليمية بقضايا الإحلال والتعمين هدفا مستهدفا من إدارتنا الجديدة لقضية الباحثين والمسرحين.

ونرى- كما يرى غيرنا- أن يكون ملف الباحثين والمسرحين شراكة حقيقية بين المركزية المتمثلة بوزارة العمل، واللامركزية والمتمثلة بالمحافظات بصلاحياتها الجديدة، بحيث يُشكل كل محافظ لجنة إقليمية برئاسته، وعضوية الفعاليات المحلية الدستورية، كممثلي المحافظات في مجلسي الشورى والدولة والبلدي مع المؤسسات الممثلة للمركزية في المحافظات، كالمديريات العامة الحكومية، وشركات القطاع الخاص الكبيرة والمتوسطة، تتولى الإشراف على موضوع تطبيق التعمين، والإحلال في كل محافظة، بإجراءات شفافة وموضوعية ومُعلنة.

وينبغي أن تُمنح اللجان الإقليمية بالشراكة الحكومية العميقة، مهمة استكشاف فرص العمل داخل كل محافظة في الشركات الكبيرة والمتوسطة التي تقع مقار عملها ضمن النطاق الترابي لكل محافظة، على أن يأخذ بعين الاعتبار المحافظات الأقل نشاطا اقتصاديا، بحيث يكون لوزارة العمل الدور في تحديد حصتها من التوظيف.

وفوائد مثل هذه الآليات، أنها تشرك المحافظات بفعالياتها الدستورية والرسمية وفاعليها- أي المجتمع المحلي- في قضية الباحثين عن عمل، وتجعل المحافظات شركاء مع المركزية في إيجاد الحلول وتطبيقها، وهذا سيكون له انعكاسات على مسارات تخفيف الاحتقانات المستقبلية، وكذلك على حديتها، ولن تكون عامة أو حدية كما في نسختيها السابقتين، وستعالج بشراكة المحليات وفق المرجعيات الوطنية.

ونقترح تشكيل فريق إعلامي- من إذاعة وتلفزيون وصحف وكُتاب ومُغردين- في كل محافظة، يكون متابعًا وراصدًا لعمليات التوظيف واستكشاف فرص عمل؛ لكي نضع الرأي العام في قلب كل حدث، ومُباشرة. وهدفنا هنا تسخير الإعلام المرئي والمسموع والمقروء الحكومي والخاص، لنقل صور التوظيف المختلفة، ومن مواقعها قبل وبعد التوظيف، كرسائل مُهمة تبين الحقائق، وتُعيد الأمل بالوظيفة في نفسيات شبابنا.

وهذا النوع من الزخم الإعلامي الموضوعي نُراهن عليه كثيرًا في كسب الثقة وتحقيق الرضا، وصناعة الهدوء، وذلك عوضاً عن حالة الكواليس التي تشهدها عمليات التوظيف الراهنة، ويكثر حولها الجدال الاجتماعي، فالدور الإعلامي يُعد جزءًا من الحل كوسيلة لإدارة مرحلة استثنائية من خارج السير الاعتيادي... إلخ.

حتى الآن، لم نر ما يجعلنا نراهن على الآليات الجديدة التي من شأنها أن تسرع بالأجل الزمني لتسريع المبادرات الخاصة بالتشغيل، كما وجه به عاهل البلاد- حفظه الله- وكما نفهمه من تموقعنا ووعينا السياسي، والتوجيه ما لم يقترن بإشراف سياسي على ماهيات التنفيذ، ومساراته، فلن تتبلور إرادة التوجيه كما يجب.

لذلك كنَّا قد اقترحنا في إحدى تغريداتنا الأخيرة عبر تويتر، تشكيل إدارة سياسية مؤسساتية من مختلف العقول الوطنية المختصة، وتستمد قوة شرعيتها من قربها من المؤسسة السُلطانية، كمرجعية توجيهية وإشرافية على مسارات التطبيق واستحقاقات الآجال الزمنية، وأن تُختار بعناية فائقة جدًا وعميقة الاختيار، ليس فقط لملف الباحثين عن عمل، وإنما كذلك لبقية الملفات الوطنية الأخرى، كملف التنويع الاقتصادي، وإذا لم تخترق بلادنا في هذا الملف الأخير، فلن تتكامل عناصر إدارة الأزمات للحيلولة دون وقوعها.

لا نعتقد أن الاجتماعات التي تعقدها وزارة العمل هذه الأيام مع عدد من مديري عموم الموارد البشرية في الوحدات الحكومية لتسريع مبادرات التشغيل، هي الخطوة المثالية المفترضة الآن، فهي لم تتجاوز مسار التوصية بتسريع التشغيل المشروط بالجداول الزمنية المحددة، والأحداث قد تجاوزتها الآن.. وتحتم الانتقال إلى ديناميكية الشراكة.

ثانيا: الخطوات التعزيزية للاستدامة الوطنية.

ويمكن حصر هذه الخطوات في النقاط التالية:

 - تدشين حوار سياسي مع أثرياء البلاد؛ لتحقيق مكاسب مالية تاريخية تنعكس إيجابياتها على المجتمع، وخاصة في قضيتي الباحثين والمسرحين، وتعثُر المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والتخفيف من وطأة الضرائب، بحيث تغني عن المساءلة القانونية التي يطالب بها المجتمع؛ لأنَّ هذه القضية ستظل متلازمة زمنية إذا لم تُحل بأية صورة ترضي المجتمع.

-تشكيل إطار "عصف مؤسساتي" يُحلل ويستشرف آفاق ومستقبل الوطن عامة، وقضية الباحثين خاصة في إطار تطبيقاتها الزمنية، كمركز للدراسات (وهذا مقترح سابق لنا، ويطرحه بعض الزملاء كذلك)، ونعطيه مهمة ضخ أفكار سياسية لطبيعة الإصلاحات الواجبة التي تتناغم مع انتقال دور الدولة من الريعية إلى الجبائية؛ لمواجهة إشكاليات مستقبلية حتى لا تقع، فمن المؤكد أنَّ الدور الجديد للدولة سيفرض استحقاقات سياسية جديدة، علينا التفكير فيها من الآن.

-الإصلاح العاجل للأمانة العامة لمجلس الوزراء؛ لأنها بدأت غير مُسايرة للتطورات- هيكلة وتكنولوجيا- وتزويدها بكفاءات جديدة، تُدير بيت الوزراء، وقد كنَّا فتحنا ملف تطوير نجاعة الأمانة العامة في مقال من جزءين، بعنوان: "الأمانة العامة لمجلس الوزراء في النهضة المتجددة".

ثالثًا: تحديث وتفعيل الإدارة المُكلفة بملف التنويع الاقتصادي.

ربما علينا تناول هذا المحور في مقال خاص، وحتى ذلك الحين، فإنه يستوجب التأكيد على أن الإدارة الحالية لهذا الملف لم تُقنعنا بأنها تسير بهذا الملف في الطريق السريع الذي يجعلنا أن نقول إنه بعد 4 سنوات مؤلمة اجتماعيًا، يمكن للمجتمع أن يتنفس الصعداء من الضرائب والرسوم أو حتى التخفيف من حديتها.. إلخ على عكس السباق الإقليمي المتسارع نحو جذب الاستثمارات الأجنبية لتحقيق أجندته في التنويع الاقتصادي.

فماذا تنتظر الإدارة المُكلفة بملف التنويع الاقتصادي؟ ربما تنتظر إعادة تأهيلها وتشكيلها، والاستعانة بقائد لها، ذي كفاءة عالمية، وذي ثقة من دول النمور الآسيوية التي شقت نجاحها من تحطيم المستحيلات، ربما يكون بعض الزملاء، قد طرح هذه الفكرة مُؤخرًا بصورة أخرى من مُنطلق الحرص على المستقبل، ونؤكد عليها؛ لأنَّ مستقبل البلاد فوق الكل، وحالة جمود التنويع الاقتصادي تُثير التساؤلات بعد الزخم السياسي والإعلامي للتنويع والرهانات الوطنية عليه. وبعد عدم تحقق النجاح المطلوب في "رؤية 2020"؛ هل الحكومة قادرة على أن تُحافظ على الاستقرار الشامل بالجبايات فقط؟ للموضوع تتمة،،،

الأكثر قراءة