مدرين المكتومية
تلقيتُ دعوةً كريمة من هيئة الشارقة للكتاب، لتغطية مهرجان الشارقة القرائي للطفل، التظاهرة الثقافية النوعية على مستوى المنطقة، والتي جعلتنا تحديداً هذا العام نشعر وكأنَّ الحياة عادت إلى طبيعتها، وأن الأمل قائم في ظل تطبيق أفكار رائدة خارج الصندوق، مع العمل المتواصل بكل ما يمكن من إمكانيات لتذليل الصعاب وتجاوز التحديات التي تسببت فيها جائحة كورونا، والتي ما زالت تشل حركة الكثير من دول العالم، وتعطل كل سبل الحياة، بل وفرضت الحظر بكافة أنواعه.
لكن الوضع في الشارقة مختلف، إذ لم تقف إدارة المهرجان عاجزة أمام هذه الجائحة؛ بل نجحت بكل السبل ووفق الإجراءات الاحترازية المشددة في أن تنظم المهرجان القرائي على أعلى مستوى، على امتداد 10 أيام، وبحضور كوكبة من الكتاب والمؤلفين ونجوم الإعلام والفن، من مختلف دول العالم، الأمر الذي حظي بإعجاب كل الحضور ومن تابع الحدث.
وبصفتي صحفية أعمل في مجال الإعلام منذ سنوات طويلة، وأتابع كل ما يجري من أحداث حول العالم، أقفُ مندهشة أمام هذا الحدث البارز المهم، فالعمل المنظم والتنسيق المتكامل وتضافر الجهود المؤسساتية لإخراج الحدث في أبهى حلة، يدفعنا أولاً إلى توجيه الشكر إلى الجهات القائمة على المهرجان، على هذا العمل البالغ الأهمية، والذي أنجز وفق كل الشروط والإجراءات والالتزامات الاحترازية المفروضة لضمان منع انتشار فيروس كورونا.
أعدادٌ كبيرة وأفواجٌ كبيرة من الأطفال وأولياء الأمور قضوا أسعد الأوقات مع الفعاليات النوعية والمتعددة جدا في هذا المهرجان الثري، قضوا ساعات طويلة بين القراءة والرسم والمعارض، وبين المسرح والورش وقاعات التدريب، وغيرها من المناشط القرائية والكتابية والفنية المختلفة.. إنه بحق مهرجان يجمع كل ما يخص الطفل وتعزيز ثقافته بطريقة ترفيهية شيقة في مكان واحد دون الحاجة للبحث عن أماكن خاصة بالطفل.
هذا المهرجان وبعد انعقاد 12 دورة منه، لا يسعني إلا أن أرفع القبعة تعبيرا عن شكري لكل العاملين فيه الذين لم يدخروا جهدا من أجل تذليل صعاب الوفود المشاركة، رغم كل التحديات وفي ظل الوضع الراهن.
هذا العمل الكبير ليس سوى دليل واضح ومقنع بأنَّ هناك أناس يعملون ليل نهار وبتكاتف كافة الجهات لتذليل الصعاب قولا وفعلا، وتسخير كل الإمكانيات لعدم توقف هذا المهرجان السنوي والذي يأتي برهاناً ساطعاً على الاهتمام الذي توليه حكومة الشارقة بقيادة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وهو الرجل الذي عرف عنه عشقه للثقافة وإيلاؤه الاهتمام الكبير للفكر والتنمية المعرفية.
ولا شك أنَّ هذا المهرجان نجح في تعزيز الثقافة وأهمية القراءة بالنسبة للأطفال، والتركيز معهم منذ البدايات الأولى لضمان تنشئة جيل مطلع ومثقف يخدم مجتمعه وأمته في المستقبل، فالأجيال الجديدة هم مستقبل الأمم والغد المشرق الذي ينتظر الأوطان، وإذا ما أولينا اهتماما كبيرا بغرس ثقافة القراءة والاطلاع والتفكير النقدي في نفوس النشء، فالبتأكيد ستخرج لنا أجيال متمكنة لغوياً، مثقفة تعرف العلوم من شرقها إلى غربها.
إن هذا النوع من المهرجانات ليس فقط منعشاً للحركة الثقافية الداخلية ولكنها أيضاً ترسم صورة مهمة جدًا عن الجهة المنظمة، وذلك من خلال الكيفية التي أدارت بها العملية التنظيمية رغم الأزمات ورغم الجوائح، لكنها سعت جاهدة لرفع المعاناة عن الأطفال، وتسرية قلوبهم، ومساعدتهم على ممارسة الحياة بشكل طبيعي مع اتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية..
وختامًا.. أدعو الجهات المعنية إلى أهمية عودة الفعاليات والمؤتمرات مع اتخاذ كل ما يضمن الإجراءات الاحترازية؛ لأن المؤتمرات لم تعد مجرد إقامة فعاليات هنا وهناك، بل صارت صناعة كبرى تعزز النشاط الاقتصادي، وخاصة السياحي، ولنا المثال في "إكسبو دبي" المرتقب في نهاية هذا العام والذي سيستمر حتى العام المقبل، فهذا المعرض العالمي الذي يستقطب ملايين الزوار، يرفع مؤشرات التنمية لمستويات مرتفعة، فما بالنا لو نجحنا في صناعة معارض محلية وإقليمية داخل السلطنة واستفدنا مما ننعم به من استقرار سياسي والظروف اللوجيستية المهيأة.. فالانتعاش الاقتصادي الذي ننشده قريب المنال، لكن ننتظر الإرادة والقرارات التي تعيد النبض إلى مختلف القطاعات.