الرؤية- مريم البادية- أسعد اليعقوبي
أكد خبراء ومختصون أنَّ قضية الباحثين عن عمل يمكن حلها من خلال اتخاذ سلسلة من الإجراءات والرؤى الاستراتيجية، وعلى رأسها الفتح الكامل للقطاعات الاقتصادية، وتعزيز الدعم الحكومي للقطاع الخاص، من خلال التوسع في إسناد المناقصات الحكومية، وتسهيل إجراءات فتح مشاريع جديدة قادرة على خلق فرص وظيفية للشباب.
وقال سعادة يونس المنذري رئيس لجنة الشباب والموارد البشرية بمجلس الشورى إن اللجنة أعدت في وقت سابق دراسة وافية حول هذه القضية، وطرحت عدة توصيات منها: تقديم مزايا للمنشآت التجارية التي تمنح وظائف للعمانيين الذين لم يسبق لهم العمل من خريجي الجامعات والكليات وبرامج التدريب المقترنة بالتشغيل في الوظائف التي يشترط فيها الخبرة، بهدف تأهيلهم واكسابهم الخبرة ومواءمة دراستهم وتدريبهم باحتياجات سوق العمل، بحيث يتكفل بجزء من راتبهم خلال 18 شهرا الأولى من تشغيلهم.
وأضاف المنذري أن التوصيات تضمنت إطلاق برنامج وطني لإلحاق الباحثين عن عمل، وعلى وجه الخصوص حاملي المؤهلات الجامعية منهم، وممن لم يسبق لهم العمل، بتدريب عملي في المؤسسات الكبيرة مدفوعة الأجر من قبل الحكومة، يمتد إلى سنة قابلة للتجديد لستة أشهر أخرى، بحيث يمنح المتدرب شهادتي تدريب وخبرة، على غرار برامج أخرى مشابهة في المنطقة. وأضاف أن من بين التوصيات إيجاد حلول مناسبة للباحثين عن عمل من حملة المؤهلات الجامعية من التخصصات غير المطلوبة في سوق العمل، وذلك عن طريق إعادة تأهيلهم في تخصصات أخرى مطلوبة وقريبة من تخصصاتهم الحالية في القطاعين العام والخاص، إلى جانب دراسة إمكانية إلحاق الخريجين الباحثين عن عمل والحاملين على مختلف المؤهلات بدون استثناء إلى الخدمة الوطنية (التدريب العسكري).
توفير الإيرادات المالية
من جهته، قال الكاتب والمفكر عبدالله العليان: إن الخطة الإصلاحية الحالية تنطلق من عدة مبادرات وبرامج، تهدف في مجملها إلى توفير الإيرادات المالية التي يمكن من خلالها تعزيز الإنفاق الاجتماعي، مُشيرًا إلى أن هذه الخطة تهدف إلى إرساء قواعد للاستدامة المالية، والسعي لخفض الدين العام، وكفاءة الإنفاق الحكومي، وهذا مهم جدًا؛ لتجنب العجز، وتحريك واستغلال الثروات الوطنية واستثمارها الاستثمار الجيد.
وأضاف العليان: أن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- أشار في أحد خطاباته إلى الإسراع بالعمل بـ"نظام مالي ُمتكامل للحماية الاجتماعية"، بما يهدف إلى الحماية لذوي الدخل المحدود، وأسر الضمان الاجتماعي، عند الظروف الاستثنائية، بحكم التقليل من آثارها الاجتماعية.
ولفت العليان إلى أن خطة التوازن المالي، تحمل أهمية كبيرة، سواء في الاستثمار الأمثل أو الاعتماد على استغلال ثرواتنا الطبيعية، أو في مجال الإنفاق المتوازن المتقن في خططنا الخمسية، وهذا يحتاج إلى توجيه هذه الخطة التوجيه السليم لتتضمن النجاح المأمول.
وأوضح العليان أن خطة التحفيز الاقتصادي تتضمن الكثير من المحاور وما طرحت به الخطة من حوافز، لا شك ستكون له الدور المهم في التنويع الاقتصادي، والإسهام في التوازن المالي بما وضعت به من محفزات كبيرة في مجال التأهيل والتدريب، والإعفاءات الضريبية، وتخفيض الرسوم من غرامات التأخير، وتسهيل التراخيص في المجالات الاقتصادية، والتسهيلات الاستثمارية، وبرامج التمويل من بنك التنمية، مؤكداً أن جمعيها سيكون لها مردودا إيجابيا للشباب، مما يتطلب أن تكون بعيدة الروتين وعن البيروقراطية، لكن نظامها جيد وأثرها سيكون جيدا على الاقتصاد الوطني خصوصا فيما يتعلق الاستثمار.
قضية مفصلية
وقال الكاتب علي بن مسعود المعشني: إن قضية الباحثين عن عمل تُمثل قضية مفصلية ولا تقتصر على السلطنة وحسب، لكن يختلف معيارها ووقعها من مجتمع لآخر، مُشيرًا إلى أن القضية في السلطنة يجري الحديث عنها منذ سنوات، وكان آخر حل لها في عام 2011، وبعدها عادت الأمور كما كانت، وتبين عدم وجود تخطيط حقيقي لاستيعاب مخرجات التعليم وقوة العمل في السوق. وعزا المعشني سبب ذلك إلى عدم وجود قانون دائم وحيوي وجاذب للتقاعد، مُشيرًا إلى أنه لو أن هناك قانون واحد مع توحيد منافع صناديق التقاعد منذ 2011، وتوفير السيولة لهذه الصناديق، فكان من الممكن خلق دورة وظيفية ونتفادى هذا التكدس في أعداد الباحثين عن عمل.
وبين المعشني أن مشكلة الباحثين عن عمل تفاقمت بسبب زيادة عدد المسرحين من وظائفهم والمتقاعدين، إضافة إلى الذين خُفِّضت علاواتهم في بعض الوحدات الحكومية دون مراعاة لنوعية المهن، وبعض البدلات الوظيفية المهمة في بعض القطاعات والتي لا تسمح لهم وظائفهم بممارسة أي أعمال، ما أدى إلى تعاظم المشكلة وتوليد 4 شرائح مُتضررة من الوضع الراهن. وقال المعشني: "كان من المفترض استيعاب الباحثين عن عمل، وعدم المساس بالعلاوات وأن يقابلها تخفيض في الأقساط البنكية، أو على الأقل إلغاء الفوائد على القروض الشخصية والإسكانية خلال فترة التوازن المالي، مع تأجيل تطبيق ضريبة القيمة المضافة، والبدء بضريبة الدخل للرواتب التي تكون أعلى 1500 ريال"، معتبرًا أن تلك القرارات سدت المنافذ أمام الشباب، على حد قوله.
وأعرب المعشني عن أمله في أن تتحول السلطنة إلى اقتصاد إنتاجي بدلًا من التكدس الوظيفي الراهن، مع خلق أدوات تمويل حقيقية بشروط مرنة تستقطب الشباب نحو قطاع ريادة الأعمال، مع تشجيع القطاع الخاص على استيعاب وظائف كثيرة، إضافة إلى وجود أمان وظيفي للعاملين في جميع الشركات.
تعزيز الإنتاجية
وقال الدكتور أحمد بن عبدالكريم الهوتي عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عمان ورئيس اللجنة الاقتصادية والدراسات والبحوث:إن القطاع الخاص يقوم عادة بتوظيف الباحثين عن عمل، لكونه قطاعًا إنتاجيًا؛ وبالتالي هو القطاع المتمكن للقيام بهذا الدور، غير أنه في الآونة الأخيرة أصبحت العقود والمناقصات التي تطرحها الحكومة لتنفيذ المشاريع "قليلة جدًا"، لذا لم يستطع القطاع الخاص التكيف مع هذا الوضع الذي يشهد ركودًا، فبدأ بتسريح العاملين سواء من العُمانيين أو الوافدين، إلى جانب زيادة الأعباء الضريبية والرسوم التي فرضتها الدولة على الأنشطة التجارية، مما ساهم في زيادة الأعباء على هذا القطاع.
وتابع الهوتي قائلا: إن جائحة كورونا زادت من حدة الوضع، وعلى أثرها أُغلقت الكثير من الأنشطة التجارية، إلى جانب قرارات الإغلاقات الجزئية التي فرضتها الجائحة. وشدد الهوتي على أهمية معالجة هذه الإشكاليات حتى تتمكن الشركات من الحصول على عقود ومناقصات، ومن ثم استقطاب الباحثين عن عمل في هذه المشاريع. وأوضح أن هناك التزامات مالية لصالح شركات القطاع الخاص لدى عدد من الجهات الحكومية، لم يتم دفعها حتى الآن، مما جعل الشركات غير قادرة على الالتزام بدفع المستحقات على الموظفين.
وأكد عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان ورئيس اللجنة الاقتصادية والدراسات والبحوث أن القطاع الخاص بحاجة إلى مساندة الحكومة في هذه المرحلة؛ لتحمل جزء من التكاليف التي أُلقيت على عاتق القطاع الخاص، حتى يتمكن من توظيف الشباب. وذكر على سبيل المثال: أن تتكفل الحكومة بجزءٍ من رواتب الشباب حتى تستعيد الشركات عافيتها، إضافة إلى فتح كل المجالات الاقتصادية وتنشيطها حتى يتمكن الجميع من العمل وعودة دورة الإنتاج. وحث الهوتي الشباب على العمل بجد واجتهاد حتى تتمكن الشركات من إحلالهم محل العمالة الوافدة؛ حيث إن الأمر مُرتبط بالإنتاجية في كل قطاعات العمل، ولا يوجد ما يمنع القطاع الخاص من استيعاب الباحثين عن عمل إذا التزموا بالإنتاجية والانضباط. وشدد كذلك على أهمية التعاون بين الباحثين عن عمل والشركات بما يجعل الشركة مستقرة ودائمة. وأعرب الهوتي عن أمله في أن تقف الحكومة إلى جانب القطاع الخاص لتحمل الأوضاع الراهنة والسير بالقطاع إلى بر الأمان.