المواطن حُر ما لم يضُر!

حمد بن سالم العلوي

 

أن يُعيد الزمن نفسه ليس أمراً غريباً، فعندما يُحذّر بعض أصحاب الخبرة من عودة الخريف الذي مرَّ على الأمة العربية، فإنِّه ليس مُنجماً أو قارئاً للفنجان، وليس ذلك تعبيراً عن شعوره الشخصي، وإنما قراءة لواقع الحال لما آل إليه الوضع، فلو عبّر عن مشاعره هو لاستبعد حدوث ذلك اعتماداً على النتائج التي آل إليها وضع العرب لاحقاً، والتردي الذي بلغ بالأمة من سوء الحال؛ فالإنسان عندما يُحلل بعمق وبُعد نظر، إنما يقرأ كيف يُفكر الآخرون، لأنه سيقرأ النتيجة للفوضى "اللاخلاقة" التي كان يقودها ويُشجع عليها الأمريكان، والغرض منها معروف لمن يُمعن النظر في الأحداث التاريخية، ألا وهو تفتيت ما تبقى من تماسك بين العرب، ولتمكين إسرائيل من المنطقة.

والتجمعات التي شهدناها هذا الأسبوع، لم تكن صدفة أو عفوية، وإنِّما لها ما قبلها، والمصيبة أنَّ الذين كان ينبغي عليهم العمل على عدم حدوثها، لم يُعطوا الموضوع جلَّ اهتمامهم، فظلوا يُماطلون ويُجربون القرارات العبثية في النَّاس، حتى إذا عقدوا المُؤتمرات الصحفية لإقناع النَّاس بما قالت القرارات، لكنهم زادوا الطين بلة فكانت الأمثلة فجَّة وباهتة، وكان تعاملهم معهم لا يخلو من فوقية، وبأمثلة هم أنفسهم لا يكادون يُصدقونها، والناس ليسوا أغبياء أو سذّج حتى تُلهيهم بعض الكلمات الإنشائية، إنما يُريدون كلمة صادقة وفعلاً جازماً. ثم إنَّ الهروب من الناس بكلام سلبي كالقول إنَّ الحكومة غير مُلزمة بالتشغيل، فمثل هذا الكلام قد يكون مقبولاً بعد خمسين عاماً من الآن، عندما تكون عُمان مثل الدول المُتقدمة، فعندئذ يكون النَّاس تعودوا على إدارة أنفسهم بأنفسهم، بل تعودوا على إدارة الدولة نفسها من خلال القطاع الخاص.

كنتُ قد تمنيتُ على حكومتنا الرشيدة، أن تكون الأكثر قُرباً من المواطن في هذه المرحلة، فخلال الأعوام الماضية كانت تحل نصف الأزمات بالثقة في جلالة السُّلطان قابوس- طيب الله ثراه- لِما كان بينه وبين النَّاس من معروف وتجارب وأخذ وعطاء، وحتى في أصعب الحالات والتي كانت في عام 2011، فقد حُلت مُعظم المشاكل بالثقة المُتبادلة بينه وبين الشعب، وليس لديَّ أدنى شك أن يكون جلالة السُّلطان الأمين هيثم بن طارق المُعظَّم- حفظه الله وأيده بنصره- بأن يكون رجل المرحلة القادمة، وأنه يقود البلاد من حسن إلى أحسن، وأن الظروف الحالية لن تكون عائقاً أمام طموحاته الوطنية للسير بعُمان إلى الرقي والازدهار، لكن الذين تسببوا في النَّكد على الناس، يجب أن يتغيروا، والنَّاس لا يعنيهم أن يكون المسؤول على درجة علمية عالية، وإنما يريدون الإنسان صاحب الخبرة العملية الذي يسعى فورًا إلى حل مشاكلهم، ومن ثمَّ يحل مشاكل الحكومة.

القلة يعلمون أنَّ الحكومة تقوم بمساءلة المُقصرين والفاسدين، ولكن بهدوء وكتمان ودون نشر، ربما في ذلك وفاءً لعهد السُّلطان الراحل، لكن الناس يتكلمون عن الفاسدين الذين علموا عنهم، ولا أظن أنهم يتكلمون عمَّن في العهد الجديد، فهذه الحكومة لم تكمل عامها الأول بعد، وهذا وقت غير كافٍ للتقييم، غير أنَّ ظروف الناس ملحة جداً، وخاصة أولئك الذين طردوا من وظائفهم فظروفهم أكثر قسوة ممن لم يرتبط بوظيفة بعد، ولو أنَّ الحكومة تخرج على الناس في وسائل الإعلام، وتحدث الناس عن خُطط الدخل والصرف، وماذا سيكون مكسب المواطن من ذلك.. ومتى سيكون هذا؟

والأشقياء يتربصون بعُمان الدوائر، ويعدون الأزمات التي تحل بعُمان مكسبًا لخُططهم الفاسدة، وهذا ليس سرًا أعلنه هنا، وإنما أنتم تعلمون ذلك، ونقول لا تتركوا الأبواب مفتوحة حتى يلج منها الأشرار إلى نفوس الضعفاء من النَّاس فيستغلون حاجتهم، فهم يسمعون من الخبثاء الكثير لما يتوافق وحاجتهم، ويزكِّي ذلك السمع الصمتُ المُريب للمسؤولين، ونحن لا نُطالب المسؤولين أن يكونوا مجرد "قرقيعة كلام"، وإنما حدثوا النَّاس بما يُفرحهم ويحل مشاكلهم، ولا خوف من ديون المُستقبل فعُمان مقدمة على خيرات كثيرة- بإذن لله- فلا يكفي أن توقف الحكومة الترقيات وتسحب العلاوات، وإن كان لها ما يبررها، ولكن قولوا للناس ما البديل؟ وإلى متى؟ خاصة وأنه ترسخ في ثقافتهم أنَّ الذي تأخذه الحكومة لا يعود، فإن تتابع الأخذ من الناس يولد ضغينة في النفوس، فلا علاج لهذه المشكلة إلا بالمُكاشفة والشفافية مع الشعب.

إنَّ الرسالة التي أوجهها للنَّاس الذين اضطروا للخروج والتَّجمع، لا تضيّعوا أهدافكم الحقوقية بالتخريب ومُقاومة الأمن، فالتخريب والإضرار بممتلكات النَّاس يُضعف التعاطف معكم، فلا تتخلوا عن خصوصية الشعب العُماني، والتزموا الأخلاق والأدب في كل شيء، ولا تصرّوا على تحقيق مطالباتكم في نفس اللحظة والآن، واتركوا الفرصة للحكومة لوضع الحلول المُناسبة، فهدفكم توصيل رسالة وقد وصلت، ولا تكونوا عوناً لأعداء الوطن، فيستغلون مطالباتكم لتحقيق أهدافهم، وانتبهوا للذين سيندسون بينكم، ولا تعترضوا على توقيفهم وسؤالهم عن أهدافهم.

وفي نفس الوقت أقدم نصيحة للإخوة رجال الأمن، فأقول لهم نُقدّر مهامكم الصعبة، ولكن اجعلوا بالكم واسعاً، فلا تتصرفوا بقوة القانون، وإنما بقانون الرحمة والتَّسامح، خاصة أثناء فترة غليان النَّاس، وكل من ترونه خطراً اليوم، فربما لو رأى ما بدر منه لاحقاً سيندم على تهوره. وأقول للحكومة لابُد من بعض التضحيات السريعة، لمنع فورة النَّاس من الذهاب بعيدًا عن أهدافها، وهم لديهم ما يُبرر خروجهم، وجعل الإعلام للدولة كلها وليس للحكومة وحدها، فمُواطن اليوم ليس مثل مُواطن عام السبعين.