ديمقراطية المزايدات!

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

"الديمقراطية ليست قهوة سريعة الذوبان" السياسي المصري محمد البرادعي.

----------

 

في الحياة نُواجه عدة نماذج إنسانية، مُتناقضة الملامح الأخلاقية كعادة الطبيعة؛ حيثُ لا شيء يُشبه شيئًا؛ أي صعب وجود نسخة مكررة من كل إنسان، كطبيعة أخلاقياته، والمبادئ والقيم التي جُبل عليها، وهذا دأب الحياة وهذه متلازماتها، لا جديد في ذلك.

هناك الكثير ممن يتلاعبون بمشاعر النَّاس بالتقوى والورع، ويحثون ويتصنعون الطاعات وهم في حقيقة الأمر أسوأ ما يمكن وصفه من بشر، يتجاوزون وكل مكان شبهة تجد لهم به الموقع الأبرز، وفي كل حفلة مزايدات تجدهم بصدارتها، والمشكلة الأكبر ليست بهم بل في المساكين الذي انخدعوا بهم وبوطنيتهم، وبالرعاع الذين يعلمون بهم، وبنفاقهم ومايزالون مستمرون بالتصفيق والتطبيل!

الديمقراطية أسمى من متسلقين ضحكوا على الناس بعدة شعارات براقة، ولما وصلوا رموا كل هذه الشعارات وراء ظهورهم، وركبوا موجة النفاق والكذب، والأسوأ عندما يمهرون ألاعيبهم البهلوانية بأن أعمالهم خالصة لوجه الله وتحت طاعة أولي الأمر!

قد يكونون لصوصًا تخفوا تحت ثياب السياسة أو العمل الخيري، أو كل أمر فيه خير للمجتمع، وهُم عينات نتنة موبوءة تنشر الداء أينما حلَّت، ولا صديق لهم إلا مصالحهم، ولا يمكن الوثوق بهم البتة؛ بل تجب محاربتهم وإيقافهم عند الحد المناسب، وأصلاً لا يعول عليهم في أيِّ أمر، أي مجتمع فاعل لايمكن أن يتقبلهم وسطه، بل يهمشهم وإن وجدت إثباتات يتم إحالتهم للعدالة.

الإنسان السيئ الواضح لا مشكلة في التعامل معه؛ لأنه معروف والمعروف لا يُعرَّف، لكن المشكلة في المتاجرين بالشعارات، وأصحاب الصوت العالي الذي يخفت فجأة عند أول مناسبة فيها صوت للمصالح؛ حيث يتسيد السكوت، ويعرف كلا وضعه ومن هو وما هي صفته، وأتذكر هنا شطراً من أبيات للشاعر حمود البغيلي (1):

من علمك كيف الكلام

بكره يعلمك السكوت!

الإنسان يُخدع وتمر عليه لحسن النية عدة أمور، لكن الكيِّس الفطن ينتبه ويُراجع حساباته، فمن طاف المرة الفائتة سيكون محل الرصد المرة القادمة، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فمن تذاكى وكذب كشفه الله بأفعاله وليس بأفعال غيره، بيده لا بيد غيره، لذلك من المهم أن يتم التعامل بالفعل لا بالقول، أحياناً تكون الرصاصة أغلى من الذي ستُطلق عليه!

اِنتبه من المزايدين في السياسة خاصة ممن يأكل مع الذئب ويبكي مع الراعي، هؤلاء أخطر المنافقين، لامانع لديهم من عمل كل شيء وأي شيء، الخداع في الخطاب وفي الأفعال،  وفي أروقة المجتمع وفي أعمال الخير وفي كل موقف، بعض الأمور ماتراه منها هو السطح فقط، لكن ما تحت السطح غير مرئي تماماً، لذلك استخدم عقلك، وقديماً قيل: ليس كل ما يلمع ذهباً!

 

__________________

 

  1. حمود محمد البغيلي. شاعر كويتي.