"أعطني حريتي أطلق يديَّ"

 

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

"أعطني حريتي أطلق يديَّ//  إنني أعطيت ما استبقيت شيء" 

لا يتسنى لك إلا أن تستمتع بغناء كوكب الشرق السيدة أُم كلثوم وكلمات الشاعر الطبيب إبراهيم ناجي، ولا أدري لما استوقفتني كلمة الحرية كثيراً. شعوب "العالم الثالث" كما يحب أن يطلق الغرب علينا، ونحن نحسد الحرية التي يعوم عليها الرجل الأبيض، لكن قف لحظة هل كل الأعراق البيضاء، والصفراء، والحمراء والسمراء حرة فعلاً.

خرجت الحرية من عباءة الذئب وأنست لها النعاج، وحين يُمارس الفرد ما يعتقد أنه حرية، يُصدم بحاجز جداري مُغطى بالدماء. هناك في بلادٍ نشأت على الحرية ورضعت مبادئها للرضع، يتم إيقاف ومُحاربة إعلاميين ومشاهير لأنهم تضامنوا مع القضية الفلسطينية، ولكن الغريب استمرار هؤلاء المشاهير في الرفض، بالرغم من يقينهم بالنتيجة، إذ كلمة الحق لها ثمن.

هل أصبحت الشعوب النخبوية-والتي أُوهمت عمداً بمطلق تحريرها وحريتها- تعيش مرحلة "ادفع ثمناً لكلمتك". وهل أصبحت مخالفة مسار اللوبي الاقتصادي المتحكم هي الإقصاء؟ .

هل يمكن أن يكون الرجل الأبيض مغرماً بغناء السيدة أم كلثوم "أعطني حريتي أطلق يديَّ".

الطريف هو التحولات المجتمعية للأفراد والسلوك، الكل يجتهد أن يحطم قيده، أينّ كان الشكل والنوع والهيئة، ويتمنى قيداً يضعه له الرجل الأبيض.

عالم مليء بالرخويات، والنظريات والفرضيات، والجمعيات، والمسميات، وكلها فضفاضة هُلامية، ورنانة، ومُبهرة، وكلها تحتمي بعباءة الحرية البيضاء. ولكن تحت هذه العباءة المُنقمة لا يحق لك أن تحيّد عن المسار، أو الرفض أو الأعراض، وإن حاولت كل ذلك، فيجب أن يكون صوتك منخفضاً، وهادئا، وكلامك مُرتبا، حتى لا تُتهم بالجهالة، والبربرية، والعنصرية.

 يتوجب عليك-إن اعترضت-الندم والتكفير عن ذلك، بتبني طفلٍ يتيمٍ من أفريقيا على غرار مشاهير هوليوود. فإذا قاموا بذلك سيكفرون عن الوحشية التي اُرتكبت في حق الأفارقة من قِبل السيد الأبيض، ولما لا يتبنى أحدهم طفلاً من السكان الأصليين؟!، كنت أظن أنَّ كلمة آسف أفضل بكثير.

هناك من يحلم ويصر في عالمنا الثالث، على  استيراد كل أنواع الحرية البيضاء من نسويات وأعلام ملونة وغيرها، وباعتبار كل هذه المسميات المُنمقة، انتصاراً للحرية الليبرالية ووأدًا لحلم اليوتوبيا.

أخال- في عقلي- أنَّ كل ذلك اختزل الإرادة البشرية في بوتقين "ماديته وهواه". فيسقط أسيراً مرة أخُرى "للنرجسية" المادية الذاتية، وهي نِتاج للمنظومة الاقتصادية والسياسية الحديثة، فتُغيب جوانب إنسانية ذاتية وروحية أخرى.

وقد تطفو بين حينٍ وآخر على السطح، الحاجة الذاتية الروحية الملحة، لنيل الرضا والطمأنينة والسكينة، فيتجه البعض نحو البحث عن تجمعات دينية روحية مُتطرفة في الزُهد والتقشف، والبعض  يجلد ذاته للتكفير عن كل نتائج التاريخ الماضي الحافل بالوحشية، وذلك بتبني أطفال أفريقيا وشرق آسيا. والجميع يسعى ويساهم في تعميم ونشر الحريات المفصلة بعناية كالنسويات والأعلام الملونة وغيرها.

لكن انتبه أن تقول كلمة الحق، فتدفع ثمن كلمتك غاليًا، كما هو الحال مع إيميلي وايلدر. أعتقد أنَّ تاريخ الحرية، زئبقيٌ رخو، متحرر ومُتقلب، فلك أن تقرر أيُّ أنواع الحرية تُمارس، بيضاء أم صفراء أم غير ذلك.

وقبل أن  تسعى للحرية  هل لك أن تسأل نفسك لثوانٍ هل أنت حر؟ أم أنت كما قالت سيدة الغناء العربي "أعطني حريتي أطلـق يديّ// إنني أعطيت ما استبقيت شيَّ".