نقطة فاصلة

مريم الشكيلية

قال تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) صدق الله العظيم.

من هذه السطور المُباركة وجدت مدخلاً لموضوع مقالي هذا، وهي النقطة الفاصلة بين بيتي وعملي، وكيف أنَّ الثغرات التي تتداخل بين شريكي الحياة تأتي من باب العمل، وأغلب الأحيان يكون التجاهل أو عدم الانتباه لمثل هذه الثغرات والتداخلات أو التفاصيل الصغيرة هو السبب في دق مسامير العنف والشتات في نعش الحياة الأسرية، وكم من أسر أصابها التَّصدع والشقوق بسبب أن أحد الزوجين أو كلاهما، لا يفصلون بين حياتهم العملية والأسرية في البيت، أو أنهم يخلطون بينهما ليتداخل الأمر ويصبح البيت العمل، والعمل البيت، مما يخلق ذلك الكثير من المشاحنات بين الزوجين .

البعض فعلاً لا يفصل بين عمله وبيته، بل ولا يُحسن كيف يخلع ثوب العمل عندما يدخل إلى بيته وأسرته، والبعض الآخر على العكس تماماً يجلب بيته إلى دهاليز عمله، فتجده يتحدَّث ويشكو دائماً عن مشاكله الأسرية لزملائه أكثر مما يتحدث عنها مع من يهمه الأمر، مما يؤثر على إنتاجه في عمله، وهذا الأمر ينطبق على الطرفين، كون المرأة اليوم عاملة في بيئة عمل مشتركة.

وهنا قد يسأل سائل لماذا هذه المشكلات الأسرية وهذه التداخلات بين بيئة العمل وبيئة البيت؟ وما هذه السطور إلا لإيضاح ذلك فأقول: إن القليل منا لا يلاحظ هذه التداخلات وما ينتج عنها من معضلات وإشكاليات، بل وفي بعض الأحيان تنتج إهتزازات أسرية لاتليق بشأن الاسرة وقدسيتها، لأنها بكل بساطة لا تأتي دفعة واحدة حتى نلمسها بشكل جيد لأنها كمن ينقر شيئا فشيئا على جسم ما !! فتكون النتيجة بعد أن يكتمل النقر أن معظم المشكلات الأسرية هي متراكمة، ثم تنفجر دفعة واحدة، لهذا يغفل البعض أو يهمل ما تنتجه هذه السلوكيات، وعدم دراية البعض بها.

وهناك أسباب عدة في حقيقة الأمر، تخلق مثل هذه التداخلات والمشكلات، وعدم إستطاعة الشخص الفصل بين بيئة عمله وأسرته المقدسة.

وهنا إما أن يكون شريك الحياة شخص لايفقه كيف يستطيع فهم المشكلات التي يتعرض لها شريكه في بيئة عمله أما جهلا" أو إهمالا أو تغافلا، لكي يستطيع مساعدة الطرف الآخر في حلها أما السبب الآخر فهو الإعتقاد الخاطئ من إحدى الطرفين بأن الطرف الآخر يفتقر إلى القدرة والحنكة والذكاء في تقديم المساعدة من خلال الحديث أو الاستشارة أو النصح أو التفهم لحقيقة الضغوطات التي يتعرض لها الطرف الآخر في بيئته العملية.

ومن تلك الأسباب المقارنات التي يخلقها الشريك في ذهنه بين زملاء عمله وبين شريكه في المنزل مما يجعله أحيانا مقتنعا بنقص شريكه وجهله مما يجعله يمتنع عن مشاركته في يومياته  ومنها  أيضا انشغال الطرف الآخر بهتماماته الخاصة، مما يجعله بعيداً كل البعد عن مشاركة الطرف الآخر مشكلاته، فيخلق في أسرته الكثير من الانفصال الفكري والذهني والسلوكي بينه وبين شريكه، فيصبح ويمسي كل منهما في عالمه الخاص ولا يجمعهم سوى سقف بيت واحد وغيرها من الأسباب التي تتسبب في دمار العلاقة الأسرية المقدسة، لذا أكتفي بهذا القدر من الأسباب الآن في محفل سطور هذا المقال.

ولتجنب مثل هذه المشكلات الأسرية التي تهدد وتعكر صفو الاسرة وأفرادها بل وتخلق العديد من المشكلات بين أفراد الاسرة الواحدة ، لا بُد من مراعاة الآتي:

 أولاً: يجب الإنتباه جيدا لحقيقة وجود مثل هذه المعضلات والثغرات بين شركاء الحياة.

ثانياً: العمل الجاد على إيجاد حلول مبكرة لتك المشكلات حتى لا تتراكم وتتضخم وتطيل الفجوة بين الزوجين وأفراد الأسرة.

ثالثاً: مراعاة الطرف الآخر شعوريا وفكريا وجسميا.. قال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) صدق الله العظيم.

رابعاً: الفصل بين بيئة العمل وبيئة الأسرة والمحاولة الجادة لإنجاح الحياة الأسرية فهي اللبنة الأساسية لإنجاح الحياة بمفاصلها.

خامسًا: على الطرفين أن يعوا أهمية الثقافة والاطلاع على كل ما هو جديد ويخدم الحياة الأسرية، فالحياة اليوم بحاجة إلى كثير من الوعي، للمساهمة في حل المشكلات التي تواجه الأسرة .

أخيرًا.. إن الحياة الأسرية تتأثر بكل متغير يطرأ من حولها، فالأسرة هي الكيان المقدس الذي إن صلح صلح المجتمع برمته، وإن فسد فسد المجتمع برمته، وتبقى الحياة الأسرية هي القاعدة التي ينطلق منها أي بناء صالح، لذا يجب أن نجنبها كل ما يهدد تماسكها وصلابتها وحدتها.

تعليق عبر الفيس بوك