احفظوا كرامتهم بالقانون

 

 

عبدالله الفارسي

 

قبل أيام وصلتني تغريدة تتحدث عن عُماني تعرَّف على فتاة بريطانية وتزوجها بعد أن أقنعها بالإسلام، وبمبادئ الإسلام بأخلاق الإسلام وبعظمة الإسلام، فدخلت مُقتنعة بجمال الإسلام وروعته، ثمَّ عاشت معه في بيت أهله، وبعد بضعة أشهر سألت زوجها: متى سيدخل أهلك في الإسلام؟!

بالأمس وصلتني مقاطع كتابية وصوتية وأيضاً صورة للمرأة العجوز المُقعدة المرمية أمام محل بقالة في محطة بنزين، مرمية كأنها صندوق طماطم فاسدة.. منظر مؤلم كالعادة، يبدو أنه ليس لنا سوى رؤية الألم وسماع الألم.. ومناقشة الألم وقراءة الألم وتجرع الألم.

هل لدينا مشكلة في تطبيق الإسلام؟

كما قلت لكم سابقًا، لست فقيهاً ولا أملك لحية طويلة، ولا مسباح، ولا أصعد المنابر، ولا أتردد كثيرًا على المساجد، ولم يعلمني أحد منذ الصغر بأنَّ الأم هي المخلوق الأعلى والأسمى في عالم الإنسان، لأنَّ الأم هي الأم، والأب هو الأب، مصطلحين يعرفهما كل البشر، من سكان الكهوف إلى سكان الغابات وسكان المدن والحواضر والأرياف، كلهم دون استثناء يعرفون معنى كلمتي أم وأب، يعرفون عظمتهما ويدركون روعتهما وجمالهما.

لم أقرأ في مناهج وزارة التربية هذا الكلام، ولم أقرأه في كتب الأخلاق والقيم والفلسفة وعلم الديانات المُختلفة.. في كل الأديان الأم لها عظمة ومكانة رفيعة لا يُمكن تحديدها أو وصفها.. في كل المُعتقدات الأم هي النور والخير والرحمة والجمال والحب والعدل.

الديانة الهندوسية تُكرم الأم تكريماً عظيماً، والكنفشيوسية تعظم الأم تعظيماً رفيعاً، والديانة البوذية تضع الأم في قمة الهرم، والزارادشتية تبجل الأبوين تبجيلاً عظيماً.

كل ديانات الدنيا التي صنعها البشر أو نزلت من السماء تعتبر الأم مخلوقاً سامياً عظيماً يستوجب الحب والطاعة والبر والوفاء، فجاءت الديانات السماوية مختومة بالإسلام لتعزيز مكانة الأم والأب ورفعها وتجميلها وزركشتها وتثبيتها، وحمايتهما ومنع حدوث أي اعتداء سافر وقبيح عليهما.

لن أتحدث عن مواقف الإسلام من الوالدين، ولن أسرد قصص الصالحين والصالحات والبارين والبارات من البنين والبنات.. إنما سؤالي هو أين مكان الوالدين في القانون الجزائي العُماني؟

ألا يفترض أن يكون لدينا قانون صارم يُجرم الإساءة إلى الأم من أبنائها؟ ألا ينبغي أن نضع قانوناً جزائياً يُعاقب فيه كل من يعتدي على والدته أو والده بالإهانة والإساءة والطرد والتحقير؟

صدقوني لو كان هناك قانون جزائي ينص على السجن شهرا واحدا فقط لكل من أساء إلى أحد والديه بالتحقير والإهانة لتأدب كل الذين تسول لهم أنفسهم حمل آبائهم ورميهم على قارعة الطريق كأنهم صناديق طماطم فاسدة.

السجن اليوم مخيف أكثر من الخوف من الله، السجن في هذا الزمن مُرعب عند غالبية النَّاس أكثر من أهوال النار وأوصاف الجحيم.

فالرجاء من مُشرعي القانون وكتابه ومؤلفيه، نرجوكم حرروا لنا بنداً قانونياً سريعاً وعاجلاً من سطر واحد فقط "يُعاقب بالسجن كل من أساء لأحد والديه بالتحقير والاعتداء والإهانة".

أرجوكم.. نريد أن ترتاح قلوبنا نُريد أن نهنأ بأوقاتنا يكفينا آلاماً وقصصاً وأخبارا وصورا تقتلنا كل يوم مائة قتلة لا نريد صورا ومواقف يندى لها الجبين وتقشعر منها القلوب والصدور والأبدان.

منظر أم مرمية في الشارع كأنها صندوق طماطم فاسدة منظر مؤلم ومشهد مُخزٍ لن يتكرر إذا كان هناك قانون يُجرم هذا الفعل، إذا كان هناك سجن ينتظر الفاعل.

الأبناء العاقون سيفكرون مليون مرة قبل أن يحمل العاق والده العجوز أو والدته المُقعدة ويرميها على قارعة الطريق كأنها صندوق طماطم مُتعفنة، ربما الذين سيقررون التخلص من آبائهم وأمهاتهم مستقبلاً سيتخلصون منهم بطريقة مُحترمة، فيها شيء من الحذر والأدب والكرامة وسيفعلونها في السر والخفاء، لأنه لن يخشى عواقب الوقاحة والجرأة على الله بينما سيُدرك وسيخاف من تجاوز القانون.

لو كان عندنا قانون جزائي صارم لمثل هذه السلوكيات المنحرفة عن الفطرة الإنسانية المخالفة للغريزة البشرية لن نرى امرأة طاعنة في السن مرمية على قارعة الطريق، ولن نرى شيخاً مسناً مريضاً نائماً على قطعة كرتون في ساحة للخُردة.

لكن هذه المناظر المؤسفة التي يضطرب لها الفؤاد ستتكرر باستمرار؛ لأنَّ الدين أساسًا في انحسار مُستمر والخوف من الله يكاد يكون معدوماً، والعُصاة وقساة القلوب في ازدياد مضطرد.

والقانون حالياً هو الرادع الوحيد فقط القادر على زجرهم وردعهم عن الاعتداء على والديهم بهذه الطريقة المخزية وليس الخطب والمواعظ والتذكير بالنَّار وما يقرب إليها من قول وفعل وعمل.

ورغم يقيني بأنَّ سن بند قانوني رادع وزاجر لن يقضي على هذه الجريمة نهائياً، لأنَّ مثل هذه الجرائم قديمة قدم البشرية، ولكنه سيحد منها كثيرا وسيخفيها عن الأسماع والأنظار، ولن نشاهد شيخاً عجوزاً مريضاً مقذوفاً به في مواقف سيارات أو أمام محطة بنزين.

سيقوم العاقون بحمل أمهاتهم أو آبائهم في عتمة الليل إلى أحد أقاربهم أو جيرانهم أو إلى مركز إيواء العجزة دون أن يسيء للمجتمع ويؤلم الناس المؤمنين الآمنين بمنظر وسلوك تقشعر منه الأبدان.

أكرموا عجزهم وصونوا شيخوختهم بقوة القانون، وتذكروا قول رسولكم الكريم صلى الله عليه وسلم "لولا شيوخ ركع وأطفال رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا"، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.