رمانة الميزان المفقودة

 

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

حين تتبعثر كرامتك فأنت تحتاج إلى حقيبة لجمع ما تبقى منها، وحين يُسلب حقك في الرفض أو القبول فإنك تتعلم كيف تمشي جنب الحيط منكساً رأسك. الحرية الحقيقة لا تتحصل بالمنظمات والشعارات والهتاف، من السهل أن تقول إنك حر ولكن في كينونتك أنت تعلم يقيناً، وكل من حولك يعلمون أنك لا تمتلك عُشر الحرية التي تتفوه بها.

فما هو مقياس حريتك؟ أن تأكل ما تشاء؟ تنام وقت ما تشاء؟ تصحو وتصرخ وتشتم كيفما تشاء؟ هل يُعد ذلك حرية أم سلوكاً غاضباً ورافضاً لكل القوالب التي حُشرت فيها؟ ومع كل هذا التخبط الذي يتصدر شاشات إعلامنا العربي، ومنصات التواصل الاجتماعي، يلفتك ويشد انتباهك، بزوغ فجر "الإمِّعَات"، وهم من ينطبق عليهم المثل "ثور لاهٍ في برسيمه".

مشاهير المنصات تحولوا إلى رأس حربة موجهة لمن يزود أكثر ويفرش أكثر، تحول مشاهير المنصات إلى سوق نخاسة حديث لتسويق أفكار ترفضها الفطرة السليمة، إنِّه أمر يحتاج إلى وقفة تأمل وكيس كبير من الحنظل، واستمتعت بأفضل عروض للقرود في سيرك الحياة.

هل فقد العربي كرامته في معركة الكرامة؟، ووقع أسير ميثاق الأمم المُتحدة والذي وقع عام 1945م في منزل سالي ستانفورد والتي كانت تُدير أشهر بيت دعارة في سان فرانسيسكو. وقد كتب المؤرخ هيرب كاين قائلاً: (الأمم المُتحدة نشأت في بيت دعارة سالي ستانفورد والكثير من المفوضين كانوا زبائنها، لهذا حينما تسمع العبارات الشهيرة مثل المجتمع الدولي- الشرعية الدولية- النظام العالمي- ميثاق الأمم المتحدة-مجلس الأمن-ستعرف حتماً مصدرها من أين جاءت). بطُلَ العجب، أمر مُثير للشفقة أن تقيد وتحكم مصير الكرة الأرضية قوانين ومواثيق شُرعت ووضُعت في بيتٍ للدعارة، وعليك أن تختار اسماً يُناسب نظام السياسة الحديثة؟

أيقنت أنَّ غزة هي المكان الوحيد الحُر على كوكب الأرض، أحرار في قول لا للعار، ولا للكسر، لن أُهزم ولن أُقتلع من جذوري، رغم أنف "المتصهين الوظيفي"، غزة حرة في الرفض أو القبول، وهي التي تُحدد الشروط، حين سحقت كرامة العروبة على أسوار غرناطة، وسُحق غرور الغرب على قمم كابول، وحين شاع التدليس، وقفت غزة و استنهضت همة ما تبقى من كرامة العربي المفقودة والتي حُفظت في حقائب الزمن المجهولة. فإن كنت تعتقد أنك حر في الأكل والشرب والبعبعة في منصات التواصل، تعتذر عن دعر وعهر أسياد البترودولار، فقد عراك صمود حي الشيخ جراح.

كل من تباكى قائلاً لا نقدر أن نغير شيئاً من واقع الحال، طبعا بك أنت لن نغير شيئًا مُطلقاً، المضحك أن كل تطبيقات التواصل الاجتماعي من الانستجرام وتوتير، وفيسبوك، وتيك توك، تسارع إلى تقييد الحسابات التي تتحدث عن فلسطين. هل هذا يعني أن صوتي يحدث فرقاً فتوجب تكميمه، أم ميزان حقوق الإنسان فقئت عيناه؟

يتوجب على من يؤمن بالحريات أن يُعيد النظر؛ لأن العالم ليس حراً. المصلحة تُحدد الحرية، المال يُحدد سقف الحرية الذي يجب أن يتمتع به البشر، وبيت سالي ستانفورد سيضع القانون والميزان لحريتك. لا تزال البشرية والإنسانية والقوميات والإيمان والأفكار ترزح تحت أنظمة تدعي الحرية، وتوثقها في بيوت الدعارة وتنشر الدعر وتجبرك على التصفيق له.